Atwasat

زمن الكورونا

محمد عقيلة العمامي الإثنين 13 يوليو 2020, 09:30 صباحا
محمد عقيلة العمامي

حدثني أحد أطباء ليبيا المتميزين، قال: "تزوجت وسافرت إلى بريطانيا لتحضير رسالة دكتوراة في تخصصي، بعد عام عدنا بطفل جيد الصحة ولكن خلال أسبوع خشينا أن نفقده بسبب مرض ألم به، وعجزنا عن تحديده، ولكنه تعافى بفضل الله، ورجعنا بعد إجازتنا إلى بريطانيا. وما إن بدأت إجازتي الصيفة الثانية حتى عدنا إلى بنغازي، بطفلين. مرض الثاني بالداء الذي أصاب الأول، وتكرر السيناريو نفسه. وفي السنة الثالثة عدنا بثلاثة وتكرر الأمر. وبعد إتمام رسالتي عدنا ولم يصب أحد منهم".

تفسير تجربته تناولها في ورقة بحثية، خلاصتها أن ثمة فيروسات وجراثيم ما إن تصل جسم الإنسان حتى تقوم معامله ومصانعه بابتكار مضاد حيوي لها، الفيروس الذي غزا المولود في ليبيا لم يكن موجودا في بريطانيا، فقامت مناعة المولود بخلق مضاد له وشفي منه واكتسب المناعة ضده.

سنة 1972 كنت مسجلا لكلية الطب في بنغازي، وكان من اتفاقياتها التي أبرمها الدكتور رؤوف بن عامر عميد الكلية، مع جامعة برمنجهام هي قبولهم لطلبة من كليتنا للدراسات العليا مقابل أن يسمح لأطبائهم، بالحضور والمشاركة في عمليات الأكياس المائية التي تنقلها الكلاب الضالة للإنسان، فلقد قضوا على جراثيم هذه الأكياس برعاية صحية لكلابهم، التي ليس من بينها كلب ضال واحد! فلا يوجد هذا (الجرثوم) مطلقا هناك، وبالتالي ليس هناك أكياس مائية، التي تكون خطيرة إن تخلقت في أجهزة الإنسان الدقيقة، مثل الكلى أو القلب، عندها تكون قاتلة. وبالمناسبة، منذ حوالي ثلاثين عاما أو أكثر شخّص لي الدكتور فيصل شمبش كيسا، وقال لي ساخرا: "دعه سوف (يتربى في عزك) من السوائل الحسنة والخبيثة أيضا!" وبالفعل ما زال الكيس ينمو، في ظهري، وأصبح بحجم منجه من نوع (تيمور).

أحد العلماء قال: "أن البقاء للفيروسات" على الرغم من أن تصنيع الجسم لأجسام مضادة لأي (فيروس) أمر أثبته العلماء بالتجارب، ولعل تجربة صديقي الدكتور خير دليل على ذلك، وأيضا صيرورة الحياة، فأين الديناصورات، ثم أليس الانقراض أصبح يلاحق الحيوانات الضخمة، وبالتوالي الأضخم ثم الأقل منه؟.

في ستينيات القرن الماضي، سمعت خطبة مباشرة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يقول أن التعداد وصل 44 مليون وأضاف "أنتم رايحين فين؟" وقامت الدولة بجهد خارق لتنظيم النسل، ومع ذلك وصل التعداد السكاني الآن أكثر من 120 مليون.

في الصين لا يُسمح إلا بطفل واحد للعائلة، أما إن أنجبت أثنين فتُدفع غرامة عالية، وأخبرني أحد الصينين أن الطفل الثالث يعني إخصاء الزوج، أو قد تكون وسيلة تمنع التلقيح. ولم تسمح بطفلين إلاّ مؤخرا.
(مالتس) و(دوركايم) من علماء الاجتماع الذين درسنا في الجامعة نظرياتهم عن الانفجار السكاني في العالم من زحام البشر، وتصادم مصالحهم، وأنه نتيجة الرعاية الصحية الحديثة أخذ النمو السكاني يزداد بشكل ملحوظ. غير أن ما يلفت الانتباه هو رأيهم بأن الطبيعة تتدخل في خلق التوزان بين انفجار السكان وموارد أمنا الأرض، فالكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأوبئة تقلص التعداد البشري، وبالإضافة إلى ذلك الحروب، وبالمناسبة لدينا الاثنتين!

وأعتقد أنكم لاحظتم أنني ظللت خارج السرب، لم أكتب مثل الذين كتبوا عن هذه (الكورونا)، التي أعتقد أن ثمة موديل من التويوتا اسمه (كورونا) أو قريب منه. ولو أنهم سموا سيارات الدفع الرباعي ترابية اللون، التي تجوب بلدنا بمدافع وشباب ومرتزقة العالم، بـ (كورونا) والتي تحصد من شبابنا أكثر ما فعلت (الكورنا)، لسهلوا عمل الإحصائيات، ودراسة الفاقد، وبقية الأشياء الأخرى التي تهم علماء السكان.

يقال، أن الاستعانة بدم من مصاب تعافى من الكورونا، قد ينقذ إنسانا أصيب بها، ولعل هذا يعني أن جسم الإنسان أخذ في صناعة اللقاح الذي يقضى على فيروس الكورونا، وكيفما يكون الأمر فإن الجسم سوف يقوم بذلك، وقد يتدخل الجانب الاقتصادي أو التجاري، وتكون (كورونا) في أقراص أنيقة، أو غيرها. وفي كل الأحول ما زلت أذكر عام (الكبة) الذي كانت جدتي تدعو به على من يناكفها: "عطك كبّه " وأنا لا أعرف هذا الوباء الذي اجتاح ليبيا في سنة من السنوات، قد يكون الجدري أو السل أو الطاعون وكلها أوبئة حصدت الكثير من الأرواح، ليس في ليبيا فقط ولكن في العالم كله.

سوف ينتهي وباء الكورونا بإذن الله، لأن العالم كله يسعى بالفعل وبصدق إلى الوصول إلى علاجه، ولكنه لا يسعى بجد إلى علاج (سيارات الكورونا الترابية) التي أفنت من شبابنا أكثر مما أفنى أي وباء اجتاح بلادنا! على الرغم من محاولاته العديدة في عواصم العالم القادر على حلها، لكن الأمر يبدو لي كمن يعالج مرارة الليبيين المهترئة بـ "الريموت كونترول".