Atwasat

ظاهرة سارية كالنار في الهشيم

رافد علي السبت 04 يوليو 2020, 10:57 مساء
رافد علي

لا يوجد تعريف متفق عليه بخصوص خطاب الكراهية، فالتشريعات الموجودة علي النطاقين الدولي والإقليمي تتباين فيما بينها من حيث التضيق والاتساع في مدى حصر نطاق مفهوم حرية التعبير باعتبار أن خطاب الكراهية صورة تعبيرية تتجاوز المقاصد فيها حالة المألوف في ممارسة حق النقد والهجاء فتصبح الكراهية بطابعها هذا خلخلةً للوضعية الهادئة والمسالمة المرجوتين لأي مجتمع. وبسبب حالة التباين بين شعوب الأرض من حيث الثقافة والمفاهيم ومدى التمدن تتجلى حالة اللا اتفاق على تحديد خطاب الكراهية، ولكن يمكن ملامسة بعض العناصر الأساسية المتفق عليها لخطاب الكراهية، وهي كل عبارة أو جملة تؤيد التحريض علي الضرر كالتمييز أو الدعوة للعدوانية أو للعنف أو كل ما يشجع عليها أو على ارتكابها بما يشكل بلبلة أو اتساعا لرقعة العنف والصدامات "1".

ورغم كل هذه العناصر المتفق عليها، ترجع حالة عدم الاتفاق لوضع تعريف جامع لخطاب الكراهية كونه يقع في بنية مركبة من حرية التعبير وحقوق الأفراد والجماعات والأقليات ومبادئ الكرامة والحرية والمساواة، مما يجعل التعريفات المطروحة اليوم لهذا النوع من الخطاب نصوصاً مفتوحة وواسعة النطاق. كما أن الجدل القانوني حول تعارض فقرة 3 من المادة 19 والمادة 20 من ميثاق الحقوق المدنية والسياسية له أثره الفني والسياسي في عدم توحيد الجهود وتكثيفها لوضع إطار رصين لتحديد ولمكافحة خطاب الكراهية.

وإلى جانب جدلية فقرة 3 مع المادة 20، يبدو جلياً أن المنع أو التجريم القانوني لخطاب الكراهية في التشريعات الوطنية، حسب ما تشير معظم الدراسات المقارنة؛ يكمن في مدى البون الشاسع في مفهوم الحريات والرغبة في تعزيزها حتى ضمن العالم الليبرالي نفسه، فخطاب الكراهية في أوربا، وتحديداً بفرنسا وألمانيا يعتبر أضيق من الخطاب المحرم في الولايات المتحدة. ويرجع ذلك إلى مدى إرث المفاهيم الليبرالية بين رجل العالم الجديد وسواه كاللاتيني أو الجرماني من جهة، وبين نظرة العالم القديم للقيم ونظيره الآخر في العالم الجديد"2".

خطاب الكراهية في المبادئ الدولية ليس مذكوراً بشكل صريح، إلا أنه تتم الاستعانة في تشخيصه ومكافحته بشكل مباشر من خلال الربط بين النصوص الدولية مختلفة المصدر والتي تنصب أساساً على حفظ الكرامة الإنسانية وحرية التعبير والمساواة ومكافحة التمييز العنصري والتمييز ضد المرأة. الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ينص على أن كل فرد يتمتع بحرية التعبير والرأي والاعتقاد وحرية استقصاء المعلومة وإذاعتها، ونظراً لأن الميثاق المذكور ليس ملزماً، فقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة وثائق أخرى ملزمة لأجل تعزيز إلزامية حرية التعبير وللحماية من التمييز، كالميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية-المادة 19و20-واتفافيةَ تحريم الإبادةَ الجماعية1948، والاتفاقية الدولية لمناهضة التميز العنصري 1969،واتفاقية القضاء علي التمييز ضد المرأة 1981، جميعها أمثلة بارزة تصب في توفير "مادة خام تشريعية" لدول العالم لصيانة وحفظ قيم الحرية واحترام آدمية الإنسان، مع مراعاة حق التحفظ الدولي للدول الموقعة على أي بند في المعاهدات، كما هو الحال في تحفظ بعض الدول الإسلامية علي حق الإنسان في تغيير عقيدته الدينية، والتي هي محل جدال فلسفي وسياسي وأكاديمي يبرز في وسائل الإعلام من حين لآخر بحسب مؤشرات الأحداث. تجدر الإشارة إلى أن قانون خطاب الكراهية في العالم العربي قد شُرع مؤخراً في الجزائر ومازال مادة دسمة للحوار بين رجال السياسة والحقوقيين ضمن ما تشهده البلاد من تطورات متسارعة، كما يقول المحامي الناشط الحقوقي الجزائري حبيب عشّي. وتكتفي الدول العربية التي لا تشريعات لها بخصوص خطاب الكراهية، ومن ضمنها ليبيا، تكتفي بالتعامل مع خطاب الكراهية "بتطبيق مواد في قانون العقوبات العام وبعض النصوص الأخرى المتعلقة بالسب والقذف والتحريض على الجرائم وغيرها ويمكن من خلالها تكييف الوقائع المادية لتصبح جرائم جنائية" حسب ما يؤكد المحامي والأديب الليبي الأستاذ مفتاح قناو. يستدل قانوناً على خطاب الكراهية عامة من خلال كلمات منشورة أو صورة تروج أو عبر أصوات تذاع، بل يمكن تحديده أحياناً من خلال الأغراض المُهينة اللاإنسانية التي يُرمى إلى إيصالها، أي عبر إثبات حالة النية كما يُعرف قانوناً.

مع انتشار سهولة الإبحار في عالم الإنترنت تعالت العديد من الأصوات شاكية من رواج خطاب الكراهية نظراً لخصائصه المتعلقة بسرعة الانتشار والبقاء لمدة أطول علي الشبكة وقابليته المرنة للتفاعل معه بكل الأوجه المعلومة ضمن إطار زمني مفتوح، وكذلك بسبب خاصيته المتعلقة بصعوبات تواجه الإجراءات القانونية المضادة للخطاب إذ تصبح غير ناجعة أحياناً نظراً لسرعة تنامي التكنولوجيا، وتأخر إقرار التشريعات وتحديثها بدول العالم بما يواكب آخر التقنيات، إلى جانب إشكالية الاختصاص القضائي كون معظم وسطاء الانترنت شركات عابرة للقارات وتنعدم لها مقار في العديد من دول العالم، الفيس بوك وليبيا كمثال على ذلك.

من المهم جداً ملاحظة أن الوسطاء، وهي الشركات الخدمية الخاصة بالانترنت في عالم الشبكة العنكبوتية؛ في تصديها لخطاب الكراهية أضحى متعارفاً عليه بعالمها التقني أن الوسطاء يحصنون أنفسهم قانونياً تجاه خطاب الكراهية من خلال الإشارة إليه- مباشرة أو ضمناً- في شروط استخدامها تحاشياً لأي عقوبات نظراً للطابع الدولي لخطاب الكراهية كظاهرة لإشكالية قانونية تتعدى الجغرافيا وباتت النصوص الدولية تتعامل معه بشكل واضح رغم اختلاف التأويلات حوله وفق النظريات التي تحكم منطلقاتها.
Yahoo وfacebookوtwiter لها شروطها الخاصة بما يحصنها من أي مسؤلية قانونية أمام الجاني أو المجني عليه في قضايا خطاب الكراهية مبدئياً. في حين يشير موقع YouTubeبشكل صريح كحالة مميزة بين أقرانه من عمالقة العالم الافتراضي إلى خطاب الكراهية إذ تنص قائمة شروط استخدامه على أنه موقع "يحترم الحرية ولا يسمح بخطاب الكراهية..."، وتضع اليوتيوب لخطاب الكراهية تعريفاً "يصفه كتاب اليونيسكو المتعلق بمكافحة خطاب الكراهية بأنه تعريف أوسع من وثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"3".

لقد أضحى خطاب الكراهية في يومنا هذا "نارا سارية في الهشيم" كما يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والموثقة في موقع الأمم المتحدة بتاريخ 18/ 6/ 2019، إذ يعتبر خطاب الكراهية ظاهرة ضد التسامح والإدماج والتعايش المشترك. لابد أن كلا منا بات يشعر بهذا الخطاب من حوله عبر الانترنت بما يثير في نفسه ومشاعره كإنسان حساً سلبياً حوله، بما يوحي بأن خطورة هذا الخطاب في ليبيا الفوضى والحروب بات يزيد من زعزعة السلم المجتمعي ببلادنا التي أضحت على مشارف غريبة وعجيبة. لقد أصبح على الفرد منا اليوم أن يتفطن بحس أخلاقي وإدراك مسؤول لما يصادفه من خطاب. هذه الظاهرة العنيفة لفظياً في أدنى مستوياتها مالم تمارس منظمات المجتمع المدني دورها الحقيقي في التوعية ورفع التوصيات للسلطات بعد رصدها لهذا النوع من الخطاب بدل التغاضي والاختباء وراء الانتماء الضيق والتعلل بفوضى الحروب واللادولة والركون فقط للعمل الخيري. لقد بات على الإنسان، لا مجرد بشر، أن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يجري كخطوة للخروج من النفق المظلم ببلادنا المنهكة.

الهوامش.

1. خطاب الأمين العام للامم المتحدة حول خطاب الكراهية
2. نقد الليبرالية. الطيب ابو عزة ة. تنوير للنشر والإعلام. الطبعة الأولى 2013م القاهرة. مصر. 2013
3. مكافحة خطاب الكراهية في الانترنت. منظمة اليونيسكو. باريس. فرنسا، 2013