Atwasat

ليس بالحروب وحدها نقضي على الإرهاب

فتحي باشاغا الخميس 25 يونيو 2020, 09:56 مساء
فتحي باشاغا

منذ سنوات طويلة ونحن ندعم الحلول السلمية والتوافقية، وقد تحملنا مواجهة الآراء المتشددة أثناء حوار الصخيرات، وتعرضنا لانتقادات واسعة لمجرد الذهاب للحوار في الصخيرات المغربية، كان هدفنا الدائم ضمان وحدة ليبيا وإنهاء حالة الانقسام السياسي، الذي ترتب عليه انقسام مؤسساتي على جميع مستويات الدولة، ذهبنا إلى غدامس 2014، وإلى الصخيرات وجنيف وباليرمو وبرلين، ولم نفرض يومًا أية شروط لأجل التقاء الليبيين على كلمة سواء.

أدرك أن الإرهاب الذي يهدد العالم أجمع خطر لا يمكن تجاهله ولا إنكاره ويجب مواجهته بكل قوة، ولكن يجب ألا نجعل مكافحة الإرهاب ورقة سياسية لغرض تصفيات حسابات مع أي خصم سياسي، إن لم يرضخ نتهمه بالإرهاب والتطرف. وأعتقد أن إساءة استخدام مكافحة الإرهاب واحدة من أسباب الضعف والفوضى في تحديد آليات أمنية وفكرية وثقافية واجتماعية واقتصادية لمكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف، الذي لا يمكن القضاء عليه بالحروب والسجون، وإنما بإطلاق حزمة إصلاحات وتصحيح مفاهيم، وتوفير مناخات اقتصادية وفرص عمل للشباب الذي يقع فريسة لتلك الأفكار المتطرفة.

الموقف السياسي لحكومة الوفاق لم يتغير فيما يخص تبني سياسة واضحة، مفادها استحالة حل الأزمة السياسية بالعنف، ولا يمكن أن يكمن الحل في الخيار العسكري، لم نطلق يومًا دعوات العمالة والخيانة لأي خصم سياسي، وكنا نأمل دائمًا في صدق النوايا والعمل الوطني المشترك لحل الأزمة والحفاظ على وحدة ليبيا، التي صارت مهددة أكثر من أي وقت مضى من التقسيم. نحن لم نرفع السلاح على أحد، ولم نهاجم أحدًا، ولم نركن إلى الحلول العسكرية، لأننا ندرك جيدًا أن الحرب لا منتصر فيها، والخاسر فيها هو الوطن والمواطن. على الطرف الرافض الحلول السلمية، والذين راهنوا على الحلول العسكرية أن يعترفوا بالخطأ، ويغيروا من سياساتهم بما يخدم مصلحة الوطن ويحميه من التشظي والتقسيم.

لم ندعُ للحرب، ولم نرتكب هذا الخطأ الفادح، وعلى المخطئ أن يكون شجاعًا ويتحمل مسؤوليته أمام الليبيين، ويبادر نحو الحلول السلمية التي تنبذ التطرف والإرهاب، وترفض العقلية الانقلابية المتخلفة التي لم تحكم بلدًا في العالم إلا وجعلته أدنى المراتب على جميع الأصعدة.. الميليشيات المسلحة ليست حكرًا على المنطقة الغربية، ففي جميع المناطق توجد ميليشيات مسلحة، وعلينا التفريق بين حملة السلاح المستعدين للانخراط في العمل الرسمي تحت مظلة الدولة والالتزام بما يفرضه عليهم القانون، والتي تعمل لصالح أجندات سياسية، أو تلك التي تتبع بعض الشبكات «المافياوية»، التي صارت تتحكم بقدر كبير في المشهد العام بفعل ما تحصلت عليه من أموال فاسدة.

هذا التصنيف بالغ الأهمية، فلا مزايدة على حق الشباب الليبي الذي يحمل السلاح الراغب في العمل تحت إمرة الدولة، وهؤلاء يجب على الدولة احتواؤهم ورعايتهم وتأهيلهم، سواءً في المجالات المدنية أو الأمنية والعسكرية.
أما تلك المجموعات التي تحمل فكرًا متطرفًا أيديولوجيًّا، وكذلك ميليشيات «القطاع الخاص» فهي تشكل تهديدًا حقيقيًّا على مستقبل ليبيا، ويجب مواجهتها بكل قوة وحزم.

للأسف الشديد نجد أن قضايا مكافحة الإرهاب والتطرف والميليشيات صارت منطلقًا سياسيًّا لتصفية الحسابات، أو لتبرير القفز على السلطة على ظهر الدبابات، وهذا الأمر مرفوض إطلاقًا.. ليبيا لن تحكمها دكتاتورية بعد كل هذه المعاناة والتضحيات، وما نحن فيه من تخلف ما هو إلا نتاج نصف قرن من الحكم الشمولي الدكتاتوري.

* وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق