Atwasat

مسافرٌ زادهُ الثقافة

أحمد الفيتوري الثلاثاء 23 يونيو 2020, 09:06 صباحا
أحمد الفيتوري

غادرت الكويت، بعد المشاركة في الإسبوع الثقافي الليبي، ما تقاطعت معه في سبيل العودة، فجُلهم أراد ليبيا، ومنهم من أراد أثينا، حينها أواخر سبعينيات القرن العشرين، قررت أن أمر على بغداد جامعة المثقفين العرب، والتي تُصدر مجلات ثقافية عدة، كمجلة "الأقلام" التي كان مقرها، ما بان لي كما برج بابل، في أعلاه أرباب عراقيون وأسفله عمالة عرب، يرطنون لهجات، أهم مشترك بينها هو الاختلاف وسوء الفهم.

وقد أوحى لي عبد الرحمن الربيعي سكرتير تحرير المجلة، وهو يحتفي بي مزهوا بأنه مُطلع على الثقافة في ليبيا، حتى أنه كتب عن كتاب "كراسات أدبية" لخليفة التليسي، وبعث به للنشر في مجلة "الثقافة العربية" الليبية!، كذا أبديت له علامة تعجب، وقد قدمت له بعضا من نصوص لكتاب ليبيين لنشرها بالمجلة وقد فعل.

أما الشاعر عبدالوهاب البياتي، وكان آنذاك وكيل وزارة، فالحق أنه أكرمني، بأن جاءني حتى فندق المنصور حيث أقيم، في سيارة فولفو جالسا في الخلف، سائق الوزارة يفتح له باب السيارة عند باب الفندق، الفندق الذي في داخله فوجئ البياتي باللمة: الشاعر المصري محمد عفيفي مطر، الكاتب الأردني غالب هلسا، الشاعر التونسي الطيب الرياح، الشاعر الفلسطيني خيري منصور، الشاعر العراقي الشيعي مسلم الجابري. وفي تلكم الجلسة أذكر كان موجودا، من العراق من كل ملة ومذهب؛ السني والصابئ، الكردي والعربي، والآشوري والكلداني، والوطني والملكي، والشيوعي والبعثي.

كان البياتي آنذاك يوحى بأنه بعثي، بنوعية خاصة وفريدة لشاعر مثله، مؤكدا على عدم صلته بالشيوعيين البتة، وكان الشيوعي والشاعر سعدي يوسف، سكرتير تحرير مجلة تراث الشعب، حيث زرته في مقرها احتفى بي باقتضاب الشاعر وكثافته، فيما بعد بقيت بيني وبينه معزة خاصة، رغم أننا لم نلتق إلا قليلا بين طرابلس والقاهرة. دفع البياتي بكرم الآلهة الآشورية تكاليف القعدة، واستولى مقابل ذلك على الجلسة، وعين نفسه ملك الشعر العربي، أخرج من جُب الشاعر لفافة ورق تضم ما كُتب عنه، وقد كان يعزم على نشر محتوى اللفافة في كتاب، أطلعني عما كتبه الصادق النيهوم عنه، وأشار لي أنه اختار لمقدمة أعماله الشعرية الكاملة، مقالة يوسف القويرى التي نشرها في كتابه "الكلمات التي تقاتل"، وعلق: كُتب عنى ما كُتب بلغات الدنيا، غير أني لم أجد فيما كتب ما يخصني، كما وجدت فيما كتب يوسف القويرى.

في صباح اليوم الثاني، كنت في مقر مجلة "الطليعة الأدبية"، هناك التقيت القاص أمجد توفيق وثلة من المثقفين العرب؛ هذه المجلة للأدباء الشبان – حين كان للأمة شيوخ وشباب في الحياة كما في الأدب – وكنت وقتها: مُؤسسا، ومشرف على صفحة " آفاق ثقافية – كتابات شابة "، التي قدمت ما سُمي فيما بعد بجيل السبعينات، والتي هي الصفحة الأسبوعية – كل يوم سبت- للثقافة في جريدة الفجر الجديد، فترة رئاسة تحرير عبد الرحمن شلقم.

قدمت لرئيس تحرير مجلة "الطليعة الأدبية" أمجد توفيق، ملفا من كتابات أدبية للشباب الليبيين، وكنت أصلا أينما وليت وجهي، أحمل زادا من الثقافة الليبية، وهذه المرة جئت بغداد بمواد منشورة في آفاق ثقافية كتابات شابة، وأيضا مواد لم تنشر، هكذا منحته من زوادتي نصوصا عدة من الشعر والقصة ومقالات، ما نُشرت كملف ثقافي ليبي بالمجلة، وفي العدد التالي كُتبَ نقد لما نشر بالملف، من قبل كتاب عراقيين منهم الكاتبة لطيفة الدليمي، وقد أعدتُ نشر تلك الكتابات النقدية للملف، بجريدة الأسبوع الثقافي.

وقد أجرت مجلة "ألف باء" العراقية حوارا معي، حول الزيارة، والإبداع، والكُتاب الشباب الليبيين، وضحت فيه أني أزور العراق، غبّ مشاركة في أسبوع ثقافي ليبي بالكويت، وقد رغبت في زيارة بغداد لأسباب ثقافية، ولنشر كتابات ليبية، حيث ليس ثمة حينها بالكويت مجلات ثقافية، وإن كانت الكويت زاخرة بالصحف اليومية والمجلات، فإن الثقافة ليس من اهتمامها. وعلى العكس بغداد ما عدت منها بمكتبة، من منشورات عدة جديدة ومتميزة المؤلف منها والمترجم، ما واجهت في مطار طرابلس صعوبة، واستخدام واسطة قوية، لأدخالها للبلاد.