Atwasat

فضائل الكسل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 يونيو 2020, 11:53 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يتمثل الكسل في أن المرء يكون قادرا على القيام بفعل ما، ولا يفعله. ليس بسبب ترتيب الأوليات، بحيث يكون القيام بأفعال أخرى أكثر أهمية وملحاحية، وإنما بسبب النفور من بذل أي جهد. ورغم أن الكسل خاصية مذمومة، إلا أنه جزء لا يتجزأ من تكوين الإنسان النفسي، وإن كان يأخذ، غالبا، مسارب خفية. فالمخترعات التي توفر الوقت والجهد دافعها الكسل!. اختراع البكرة وفر جهد البنائين والمضطرين إلى رفع الأثقال إلى أماكن عالية. واختراع العجلة التي اخترعت على أساسها العربات المجرورة قلل من عبء نقل البضائع والسلع على الدواب. وقل نفس الشيء بخصوص اختراع السيارات والشاحنات والحافلات، والقطارات حيث يمكن للمرء أن يطوي المسافات وهو نائم في القطار، بدلا من تجشم عبء السفر على الدواب. كذلك الأمر مع اختراع الغسالات وآلات غسل الصحون، وجميع المخترعات الحديثة التي تسهل العمل المنزلي، وأدوات التحكم عن بعد في أجهزة التلفزيون والتكييف. كل ذلك دافعه الكسل المتخفي.

كما طفا الكسل على سطح بعض الأديان. ففي البوذية، الرهبان لا يتحصلون على قوتهم من خلال العمل، وإنما بواسطة التسول. ورغم أن المسيحية تعتبر الكسل إحدى الخطايا السبع المهلكة، إلا أن الرهبان المعتكفين في بعض الكهوف في الجبال يجود عليهم الفلاحون بالغذاء والماء، الذي يضعونه في سلال تتدلى من تلك الكهوف لهذا الغرض.

لكن الكسل الظاهر الصريح يظل تصرفا معيبا.

إلا أن جون ستاينبك في كتابه "الإبحار من بحر كورتيث"* يمتدح الكسل فيصفه بأنه "ارتخاء حابل بالفاعلية، إحساس بالراحة يمكن أن ينهض منه جهد موجه، على حين أن معظم الانشغال busy-ness هو مجرد نوع من التغضن العصبي". ويتساءل محتجا: "كيف يمكن لهذه العملية أن تصير عارا وخطيئة؟". ثم يوضح فضائل الكسل قائلا: "أثناء الكسل فقط يستطيع المرء الوصول إلى حالة من التأمل تعتبر موازَنة للفضائل، روزَ الذات إزاء العالم والعالم إزاء الذات" وفرصة إقامة هذه الموازنة لا تتوفر للمرء المنشغل. ويستطرد قائلا: "نحن لا نعتقد أن رجلا كسولا يقدر على ارتكاب جرائم قتل، ولا عمليات لصوصية كبيرة، ولا يقود مظاهرة". وعليه فإن "أمة من الرجال الكسالي المتأملين لن يكون بمقدورها خوض حرب، إلا في حالة مهاجمة كسلهم ذاته"، ذلك أن "الحروب من فاعلية الانشغال".

* JHON STEINBECKK, THE LOG FROM THE SEA OF CORTEZ, PAN BOOKS LTD, LONDON AND SEDNY, 1960.236- 237.