منذ تعالي الصيحات المطالبة بالفيدرالية أو التقسيم وإعلان ما يعرف استقلال أو انفصال "برقة"، وأنا شخصياً ضد هذا التوجه لأنني ببساطة اعتبر وحدة البلاد خطاً أحمر ولا نقاش فيه.

طبعا الكثير من المطالبين لم يعجبهم ذلك وأصروا أن تحقيق حلمهم بدولة برقة المستقلة أسهل من تقسيم الكعكة ولا يحتاج جهداً سوى اللعب قدام "حواشينا"...

لكن... لنفترض جدلاً أنني فجأة صحوت من نومي وتجردت من ليبيتي وأعلنت نفسي برقاوياً مطالباً بالاستقلال والانفصال و"طق" الشبردق... فلنطرح بعض التساؤلات التي أراها مشروعة والتي بالتأكيد سأحصل على إجابات شافية لها من المطالبين بالفيدرالية والتقسيم بحكم أنهم يملكون دراسة علمية وعملية موسعة لهذا المشروع.

ولنبدأ من الجانب السياسي... ما هو نظام الحكم الذي سيتم به حكم دولة برقة المستقلة؟ هل هو نظام ملكي أم جمهوري؟ فإن كان ملكياً فمن سيكون هذا الملك؟ هل هو محمد السنوسي بحكم أنه الوريث الشرعي دستورياً؟ أم خليفة حفتر بحكم أنه الحاكم الفعلي لتلك البقعة؟ أم أن هناك مرشحا آخر أتمنى تزويدي باسمه...

ولو كان نظاماً جمهورياً... فهل سيكون نظاماً ديمقراطياً ويسمح فيه بالتعدد السياسي؟ أم شمولياً لا يسمع فيه سوى صوت واحد يردده البقية؟

وإن كان نظاما ديمقراطياً؟ فهل سيتقبل وجود أحزاب سياسية تقبل أنصار نظام القذافي والإسلاميين أم يتم تجريم أفكارهم على غرار تجريم الأفكار النازية ويتم إقصاؤهم من المشهد السياسي؟

هذا من الجانب السياسي... وننتقل إلى الجانب الإداري... يا ترى هل سيكون النظام الفيدرالي نظاماً إدارياً لهذه الدولة أم مركزياً؟ فإن كان فيدرالياً فعلى أي أساس سيتم تقسيم هذه الدولة؟ وما هي الأقاليم التي سيشملها هذا النظام؟
وإن كان مركزياً، فما الفرق بين مواطن مقيم بمدينة الكفرة لديه معاملة إدارية في بنغازي في ظل دولة برقة المستقلة... وبين مواطن من بنغازي لديه معاملة إدارية ينبغي انجازها في طرابلس في ظل دولة ليبيا الموحدة؟

أما على الجانب الاجتماعي... كلنا شهدنا فترات نزوح مختلفة ولأسباب متعددة من مختلف مدن ليبيا الموحدة: تاورغاء – سرت – طرابلس – سبها – ترهونة – ورشفانة... إلخ

وهؤلاء النازحون يشكلون رقماً كبيراً تشير بعض المصادر إلى أنهم يصلون عشرات أو مئات الآلاف واستقروا في عدة مدن رئيسية من مدن دولة برقة المستقلة مثل اجدابيا وبنغازي ولا أعتقد أنهم يشاركون المطالبين بالتقسيم هذا الحلم... فكيف سينظر لهؤلاء من خلال حقوق المواطنة؟ هل سيكونون مواطنين درجة أولى برتبة ذوايح؟ أم يتم ترحيلهم وطردهم من أراضيها في حال رفضهم التقسيم؟ وما هو المتوقع منهم من ردود فعل إزاء هذا الموقف؟

من جانب آخر... لدينا نازحون ومهجرون من عدة مدن خاضعة لدولة برقة المستقلة مثل بنغازي ودرنة واجدابيا متوزعون على مدن غرب ليبيا الموحدة مثل مصراته وطرابلس والزاوية وغيرها... وهؤلاء نزوحهم وتهجيرهم جاء لعدة أسباب نتيجة الحرب واعتبارهم مطلوبين لارتكابهم جرائم لم يثبت القضاء حتى هذه اللحظة تورطهم فيها، لكن على كل نعتبرهم مجرمين... فكيف سيتم التعامل مع ملفاتهم في حال هم أنفسهم قبلوا بالتقسيم والعودة لدولة برقة والعيش فيها؟

نأتي للجانب الاقتصادي... كيف سيتم تقسيم أصول دولة ليبيا الموحدة وتوزيعها في دولة برقة المستقلة؟ على سبيل المثال: المصارف التجارية العامة التي تتوزع فروعها في ليبيا الموحدة وتمتلك أرصدة ومعاملات تجارية تضم أموال المواطنين الليبيين شرقا وغربا وجنوباً؟ القطاع الخاص مثلاً كيف سيتم التعامل مع تقسيم أصوله... فلو افترضنا مثلاً أني كمواطن برقاوي أصيل امتلك مصنعاً في زوارة... ومواطن آخر مقيم في زليتن يمتلك حصة تجارية في مصرف يقبع مقره في دولة برقة المستقلة... فهل هناك خطة لتسوية هذه المشكلة أم سنعاني من مسألة هروب رؤوس الأموال وانعدام استثمارها في أي بقعة بهذا البلد؟

طبعاً لا ننسَ التركة الاقتصادية الموجودة حالياً كقطاع الاتصالات والبنية التحتية مثل قطاع الكهرباء وحقول النفط والموانيء النفطية المربوطة بحقول نفطية تقع خارج نطاق الدولة الجديدة!!
لا ننسَ أيضاً منظومة النهر الصناعي وكيف سيتم تفكيكها وإعادة توزيع المياه من خلالها؟

بالتأكيد خبراء الاقتصاد المنادون بدولة برقة المستقلة لديهم مشروع متكامل لشكل العملة البرقاوية الجديدة وقيمتها أمام العملات الصعبة وتكلفة إصدارها وآلية متكاملة لاستبدالها بالعملة القديمة وتعويض الفرق... واحتساب الأجور بالعملة الجديدة مقابل العملة القديمة وغيرها من الأسئلة المشروعة... وأتمنى تزويدي بها قريباً إن وجدت!!

نأتي لمسألة التعايش المشترك... بين المنادين بدولة برقة المستقلة... والرافضين لها... فيما لو طرح الاستفتاء على سكان برقة بقبول الاستقلال أو رفضه... فما مصير الرافضين لها؟ هل سينظر لهم كخلايا نائمة للعدو ويتم اتهامهم بالتخابر معهم؟ هل سيتم طردهم من البلاد أو التنكيل بهم فيما لو كانوا أقلية وعبروا جهاراً نهاراً عن رفضهم؟ طيب ماذا لو كانت نتيجة الاستفتاء رفض بالأغلبية لهذا المشروع والقبول بالدولة الليبية الموحدة؟ فما هو البديل؟ أو ما هو المصير؟!
كيف ستنجح هذه المطالبة التي تسمونها بالمطالب "الشعبية" في ظل تعنت الرافضين للفيدرالية والتقسيم بداية من صاحب مقولة: "لا فيدرالية... لا تقسيم... لا كلام فاضي" وانتهاء بما يتم تسميتهم بالذيول والذوايح؟!
ولا ننسَ أيضاً تزويدنا بخطة وآلية تقسيم التشكيلات العسكرية وأسلحتها كونها مزيجا مختلطا من الليبيين المقيمين في مختلف المدن الليبية... وكيف سنقنع الجنود والضباط الليبيين الذين قتل زملاؤهم تحت إسم الجيش الليبي وفي مختلف المناطق والمدن الليبية أنهم سيصبحون جنوداً تحت راية دولة برقة المستقلة"؟!

كل هذه التساؤلات من حقي ومن حق أي مواطن ليبي أن يعرف إجاباتها بشكل مفصل وموسع... وإلا لن تختلف ردودنا عن رد السلطة الحاكمة في شرق ليبيا: "لا فيدرالية... لا تقسيم... لا كلام فاضي... انتهى الكلام!!".