Atwasat

جنة المرتزقة (2 -2)

أحمد معيوف الإثنين 08 يونيو 2020, 09:26 صباحا
أحمد معيوف

وتحت عنوان "أي شيء وفي أي وقت وفي أي مكان" في نفس المقال يذكر الكاتب أن الضابط السابق في سلاح الجو الجنوب أفريقي المدعو ستيف لودج (Steve Lodge)، والذي عمل أيضًا في الجيش البريطاني، وعمل كمقاول عسكري خاص في نيجيريا، قاد فريقا مكونا من 20 مرتزقًا تم نشرهم في بنغازي في يونيو الماضي. ويتكون هذا الفريق من عسكريين سابقين أيضًا من أكثر من دولة، ضم 11 مرتزقا من جنوب إفريقيا وخمسة بريطانيين واستراليين ومدرب طيار أمريكي واحد. وكلف الفريق بمنع شحنات الأسلحة التركية من الوصول إلى الحكومة في طرابلس عن طريق البحر. ويقول محققو الأمم المتحدة، الذين كشفو العملية، إن الخطة كانت تتمثل في إنشاء قوة هجومية بحرية باستخدام الزوارق السريعة وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي ستمكنهم من الصعود إلى السفن التجارية وتفتيشها. ويعتقد المحققون أن القوة البحرية كانت جزءًا من عملية أكبر تضمنت أيضًا قوات كوماندوز تقوم بمراقبة أهداف العدو وتدميرها.

لإنجاز هذه العملية تم شراء ست طائرات هليكوبتر من جنوب أفريقيا نقلت بالشاحنات إلى مطار غابورون الدولي في بوتسوانا. وعلى الرغم من السرية والتكتم على العملية إلا أنها تركت سلسلة طويلة من الأدلة، منها صور نشرت على صفحات مجلة بوتسوانا غازيت على الإنترنت (The Botswana Gazette) لثلاث مروحيات سوبر بوما، مربوطة على ظهر شاحنات، منطلقة على الطريق السريع. وقد تم تحميل هذه المروحيات في طائرات شحن، إحداها كانت مملوكة لشركة أوكرانية تدعى سكاي ايفييشن ترنس (SkyAviaTrans)، شعارها "أي شيء وفي أي وقت وفي أي مكان وبشكل احترافي"، وقد عملت هذه الشركة أيضا في نقل عناصر عسكرية إلى ليبيا حسب ما ورد في تقرير للأمم المتحدة. كانت وجهة هذه الرحلة حسب مستنداتها الأردن، إلا أنها هبطت في مطار بنغازي. كما تم استئجار زورقين سريعين، من تلك الأنوع الذي تستخدمه القوات الخاصة من تاجر مالطي مرخص له يدعى جيمس فينيش (James Fenech). قام السيد لودج بالتفاوض على هذه الصفقات، ولكن تم التعاقد عليها ودفع ثمنها من قبل العديد من الشركات التي يوجد مقرها في دبي والتي يسيطر عليها أو يملكها السيد دورانت. إحدى الشركات، وتدعى لانكستر 6 (Lancaster 6)، هي جزء من شبكة من الشركات ذات الأسماء المماثلة في مالطا والإمارات وجزر فيرجن البريطانية. ويحمل موقعها على شبكة الإنترنت شعارا براقا لا يعكس نشاطها يقول "الازدهار يولد السلام" (Prosperity breeds peace). وتدير شركة أخرى، تعرف باسم أوبوس كابيتال أسيت (Opus Capital Asset)، سيدة تدعى أماندا كيت بيري (Amanda Kate Perry)، وهي سيدة أعمال بريطانية بارزة في دبي تروج لصاحبات المشاريع، وقد أشادت بها مجلة الإمارات للمرأة المحلية، كواحدة من المتميزات ذوات "الرؤيا" لعام 2019.

في بنغازي، غضب السيد حفتر من الطائرات التي جلبها المرتزقة في إطار هذه الصفقة، ووصفها أحد مسؤولي جناح حفتر بأنها "مروحيات مصفقة" كناية عن قدمها وعن مخالفتها للمواصفات المتفق عليها. وأشارت وثيقة حصلت عليها الأمم المتحدة إلى أن الطائرات الموعودة تضمنت طائرة هليكوبتر هجومية من طراز كوبرا وطائرة من طراز LASA T-Bird ، وهي طائرة زراعية عدلت لتصبح أداة للاستطلاع والحرب.

بسبب عدم الاتفاق مع حليفة حفتر، قرر فريق المرتزقة الانسحاب إلى مالطا. ولكن بعد مغادرة بنغازي ليلة 2 يوليو، واجه أحد قواربهم متاعب مما دفعهم إلى التخلي عنه. وحشرو انفسهم جميعا، وكان عددهم عشرين، في قارب واحد حتى وصلوا إلى مالطا. بعد أسابيع، عثر خفر السواحل الليبي على القارب المهجور وظهرت صور له في وسائل الإعلام الإخبارية المحلية.

يقدم السيد دورانت نفسه على أنه رجل أعمال وعامل في المجال الإنساني، ويظهر في موقعه على الانترنت حاملا طفلًا كينيًا. وكتب في أحد مدوناته "لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". ومع ذلك ، فقد تم ربط جزء كبير من حياته المهنية الأخيرة بالسيد برينس، الذي نظم وأشرف على المشاريع العسكرية الخاصة التي اشتهرت بها شركة بلاك ووتر.

من عام 2014 إلى عام 2016 ، عمل السيد دورانت تحت قيادة السيد برنس في شركة تسمى فرونتاير سيرفس قروب (Frontier Services Group )، حيث قاد مشروعًا مثيرًا للجدل لتحويل طائرات زراعية إلى طائرات حربية رخيصة. تم نقل المشروع في وقت لاحق إلى شركة بلغارية مرتبطة بالسيد برنس، وأطلق على هذه الطائرات إسم LASA T-Bird - نفس الطائرة الموعودة للسيد حفتر. وفي عام 2017 ، ارتبط السيد دورانت بمقتراح السيد برنس الخاص بإنشاء سلاح جوي خاص لمحاربة طالبان في أفغانستان عندما أدرج السيد برنس لانكستر 6 كشركة شريكة لوزارة الدفاع الأمريكية، حسبما أفادت صحيفة ذي تايمز العسكرية.

يرتبط التاجر المالطي السيد فينيش بالسيد برنس بعلاقات تجارية وطيدة وفي صفقات الأسلحة المشبوهة، ففي عام 2018 انشأوا شركة بلاك ووتر للذخيرة (Blackwater Ammunition)، والتي تبيع الذخيرة للبنادق الهجومية والسكاكين والساعات تحت العلامة التجارية (Blackwater).

إن الحظر الدولي المفروض على توريد الأسلحة إلى ليبيا لا معنى له. ويواجه أي شخص ينتهكها حظراً محتملاً على السفر وتجميد الأصول فقط، لكن لم يعاقب على الإطلاق حتى الآن سوى مهربين إريتريين. وحتى كبار مسؤولي الأمم المتحدة يصفون حظر السلاح على ليبيا بأنه "مزحة". فلا يمكن للقوى الكبرى أن تتفق على من يجب أن يعاقب، إما بسبب خلافها العلني بشأن ليبيا، أو بسبب السياسات المتذبذبة والمتناقضة كالتي تمارسها أمريكا. حرب ليبيا الفوضوية طليقة للغاية لدرجة أن بعض المستفيدين تمكنوا حتى من العمل على جانبي خط الجبهة. ففي 5 أغسطس الماضي، قصفت طائرة مسيرة تديرها قوات السيد حفتر طائرة شحن على المدرج في مطار مصراتة. كانت هذه الطائرة هي نفس طائرة الشحن الأوكرانية التي سلمت طائرة الهليكوبتر إلى السيد حفتر قبل شهر. وقال المسؤولون هذه المرة إنها كانت تحمل إمدادات عسكرية إلى طرابلس.

هذه فقط إحدى الحالات التي كشفها محققو الأمم المتحدة، واللاعبون في هذه العملية كالسيد برنس والسيد دورانت والتاجر فينيش ما هم إلا رقم صغير في شبكات التهريب العالمية التي تعصف بالساحة الليبية، هم محموعة صغيرة من مجموعة كبيرة من اللاعبين الذين تحركهم دول وحكومات، كمجموعة الفاعنر الروسية، والتي لا شك أنها ليست الفريق الوحيد الذي تقف وراءه حكومة دولته، فكل هؤلاء العملاء المحترفون والمرتزقة يرتبطون بمصالح سياسية واقتصادية بدولهم. لهذا أرى ان خطورة المرتزقة أكثر شدة على المجتمع من الميليشيات المحلية التي، كما أشرت أعلاه، تستمد قوتها من ضعف الدولة ومن الانشقاق السياسي الذي تغذيه للأسف أطماع عملاء الداخل.