Atwasat

معضلة تركيا: عندما يتصافح أعداؤك

حافظ الغويل الأحد 07 يونيو 2020, 09:41 مساء
حافظ الغويل

على خلفية تصاعد العنف في ليبيا، كان قائد قوات القيادة العامة خليفة حفتر يوطد الصلة مع النظام السوري، في وقت توجهت كل من قبرص واليونان إلى إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق. ولا شك أن العلاقات التي يشيدها البرلمان المنعقد في طبرق مع العواصم الثلاث مؤشر واضح على تشكل جبهة واحدة لممثلين اختلفت غاياتهم واتحدت وسائلهم لتعويض النفوذ التركي "التوسعي" في شرق المتوسط. ويهدف الحلف الفضفاض الذي يمكن أن يستوعب مصر إلى تمثيل عائق أمام طموحات أنقرة بعد توقيع مذكرة تحديد الصلاحيات البحرية مع حكومة الوفاق الوطني.

وفي مطلع العام، أعادت بنغازي افتتاح سفارة ليبيا في دمشق، وأوفدت بعثة دبلوماسية لتمثل أعضاء مجلس النواب المجتمعين في طبرق، والمصطفين إلى جانب القيادة العامة. وعلى هامش الافتتاح، أكد نائب وزير الخارجية السوري أن الإرهاب سيطال كل بلد عربي إذا سمح لأردوغان بالانتصار في هذه الحرب.

وقبل أن تمضي فترة طويلة على التقارب اليوناني مع النظام السوري، نشرت سيتي تايمز اليونانية مقالا تستدعي فيه العلاقات التاريخية المتميزة بين أثينا ونظام حافظ الأسد، والتي بنيت على مشاركة وجهات النظر إزاء تركيا وتأييد أثينا لسوريا في قضية الأراضي المتنازع عليها.

وقد رشح انزعاج حفتر والأسد من سياسات أنقرة الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، في تصاعد اتهامهما، مؤيدين من رعاتهما الدوليين، لتركيا بتجهيز وتمويل الجماعات المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة.

وفي هذا السياق، أصدرت كل من مصر وفرنسا وقبرص واليونان والإمارات بيانا مشتركا في الحادي عشر من مايو، أدانوا فيه التدخل العسكري التركي الداعم للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، واعترضوا فيه على عدم قانونية أنشطة البوارج الحربية المرافقة لسفن التنقيب في شرق المتوسط، الذي يُفهَم كمؤشر على تصاعد التوترات في المنطقة فيما ترى المزيد من الدول تهديدا مباشرا في سعي تركيا للخروج من محبسها المتوسطي والتوسع. ولم تكد تمضي ثلاثة أيام حتى وجه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بن ستلتنبيرغ ردا غير مباشر على تلك الدول، حيث صرح لجريدة لا ريببليكا: "هناك حظر تسليح على ليبيا يجب أن تلتزم به جميع الأطراف الدولية، إلا أن ذلك لا يعني وضع حكومة فائز السراج وخصومها المؤيدين للجنرال حفتر في كفة واحدة. إن "ناتو" مستعد لتقديم الدعم اللازم للحكومة في طرابلس."

الدور الروسي
وبينما تطغى البراغماتية على إدارة الروس والأتراك لتناقض مصالحهما وعدم انسجام مشاريعهما الإستراتيجية، فإن علاقة الدولتين في توتر متصاعد. ففيما تعترف تركيا علنا بإرسال مسلحين مناهضين للأسد وعناصر من جماعات متشددة إلى ليبيا، تتهم الولايات المتحدة روسيا بتجنيد موالين للنظام السوري للمشاركة في الحرب هناك [إلى جانب حفتر]. وكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة مؤخرا عن الدعم العسكري الذي قدمته روسيا إلى حفتر، والمتمثل في مجموعة "فاغنر" القتالية الخاصة.

تدرك تركيا تماما أنه إذا تركت لروسيا حرية التصرف فإن حفتر والأسد سينجحان في الاندماج في المجموعة العربية والدولية، وأن القائدين سيمليان شروطهما، ما يمثل تهديدا عظيما لمصالح تركيا في المنطقة.

وفيما تزداد علاقات أبو ظبي وأنقرة توترا، يمثل للمسؤولين الأتراك خطر عزل بلدهم في حوضها، وتشكل جبهة مناهضة لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم مصر وقبرص واليونان والإمارات والسعودية ونظام الأسد، وما يزيد إلى جسامة التحدي لتركيا التقارب الإسرائيلي الإماراتي، بالإضافة إلى تأكيد أثينا وتل أبيب على مصالح إستراتيجية موحدة.

ويبدو واضحا أن مصالح تركيا وأجندتها السياسية تضع مستقبل ليبيا على مستوى عظيم من الأهمية لدى أنقرة. فبعد خسارة مصر كحليف إستراتيجي يعول عليه إثر انقلاب 2013، وتشكل بالزيادة إلى ذلك حلف يضم مصر ويناوئ المصالح التركية، فإن سقوط طرابلس في قبضة القوى الداعمة لحفتر يمثل بالضرورة تهديدا مباشرا لتلك المصالح.

إن أنقرة تهدف إلى منع المزيد من الأطراف من الاندماج في الحلف المضاد وصد أية محاولة ساعية إلى عزلها في شرق المتوسط بإلغاء اتفاقية الحدود البحرية المثيرة للجدل. ووفق هذا القصد لم تقتصر تركيا على الدفع بثقلها العسكري في الحرب الأهلية الطاحنة، وإنما دفعت كذلك بمليشيات سورية موالية. ويأتي ذلك بالتزامن مع قلق يزداد في تركيا من الفوضى في إدلب، إذ تدرك الجارة الشمالية فداحة الأضرار الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية التي قد تنجم عن عملية عسكرية سورية-روسية جديدة في "معركة سوريا الأخيرة."

تداعيات حرب ليبيا على السياسة الخارجية الأمريكية
لعل أهم ما يشغل المراقبين الآن إمكانية تحالف أمريكي تركي. لا شك أن واشنطن ستتابع عن قرب إضافة الأنشطة التركية لخصوم جدد في أوروبا ومن بين العرب، علاوة على أزمة في العلاقات الروسية التركية. وكذلك لن تجد تركيا إزاء هذه الاصطفافات إلا التوجه إلى واشنطن، التي تشترك معها في رؤيتها في سورية، مع انقلاب في الموقف الأمريكي قد يصل إلى نزع الشرعية عن حفتر.

وسوف تكون من أهم أولويات الدبلوماسية التركية، بينما تزداد فورة الحرب الباردة بين أنقرة وأبوظبي، حث الإدارة الأمريكية على ممارسة ضغوط إضافية على الإمارات لوقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار، حسب الوصف التركي لسياسات الإمارات الخارجية. وإلى ذلك ستضغط أنقرة في واشنطن باتجاه توقيع عقوبات على المشير خليفة حفتر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، تحت بند حماية ضحايا التعذيب الصادر سنة 1991م.

ليس يعدل قلق تركيا من سياسة الإمارات الخارجية المهددة لأهدافها في المنطقة إلا التحديات التي تواجه علاقتها بموسكو، والتي تبتعد عن ذروة تميزها في أعقاب انقلاب 2016 في تركيا، الذي دفع بأنقرة إلى التقارب أكثر من أي وقت مضى مع موسكو، لتقليص ارتباطها بالغرب. وإزاء هذه المعطيات يبدو من المنطقي أن تعمل تركيا في تناغم تام مع الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء كان على رأسها ترامب أو بايدن. ولا شك أن ذلك سيدفع التنافس التركي الإماراتي إلى إدارة حرب اللوبيات في واشنطن.

وليس من شك في أن واشنطن ستصغي إلى الأتراك، حيث تقوم تركيا بدور تعويضي للوجود الأمريكي، وثقل مقابل لزيادة نفوذ الروس في سوريا وبرقة. وهذا بالتحديد ما يمكن تفسيره في سياق تصريح مسؤول أمريكي عسكري رفيع في أبريل، إن "الوجود الروسي في ليبيا يمثل خطرا أكبر من فلول داعش في الجنوب."

ترجمة: عبد العزيز المغربي