Atwasat

... وأن يُكتب بسمها أيضا!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 يونيو 2020, 05:26 صباحا
أحمد الفيتوري

في البدء كانت الأنثى

"زوربا" الرواية ذائعة الصيت، كاتبها اليوناني "نيكوس كزانتزاكي"، من تذكر زوجته "إلينا" في مذكراتها عنه، اعترافا وطلب مغفرة، من القراء أبناء جلدتها، بأن كتاب "غاندي" المقرر في المدارس الثانوية، من تأليف زوجها وليس من تأليفها، كما هو معروف للأجيال، ما درست الكتاب ذاك في سائر اليونان.

الأسم المستعار لكاتب ما، عادة منتشرة في التاريخ والآن، حتى أن القارئ، كثيرا ما لا يذكر الاسم الأصلي لكاتبه، منذ "المتنبي" حتى "أدونيس"، أما أن يكتب ذكر بسم أنثي فهذا شائع، ولكن غير الشائع كتابة امرأة بسم رجل كـ "جورج صاند"، والطريف فيما يخص الكتابة بسم مستعار، هناك شاعر برتغالي، نار على علم في الخصوص، من كثرة الأسماء التي انتحلها، ووقع بها ما كتب وما نشر.

وإذا كان التاريخ مليئا بالطرف في هكذا استعارة، فإن ذلك لا يخفي أن الكثير منها، دوافعه التقية وتجنب السلطات القامعة، وطبعا هذا دافع بعض النسوة للباس اسم الرجل، ما لبس اسم المرأة للعكس، أي لأجل الحرية، وهذه المفارقة أسها أن الرجل كان في البدء، الداعية لقضية تحرير المرأة، فمنظر النسوية فكريا وفلسفيا. وحتى أنه أول من تصدر المسألة النسوية مجتمعيا، في سياق التنظيم والعمل، من أجل المساواة الجنسوية في الإطار الخاص، ما منطلقه في الإطار العام الدعوة والعمل للمساواة بين البشر كافة، ما كان لب نهج الدعوة الإنسانية، وحركة التنوير، قبيل وبعد الثورة الفرنسية عند نهاية القرن الثامن عشر.

وفي البدء كتبت بسمها
لفت ذلكم نظري عند مقتبل العمر، فلقد كنت قارئا شغوفا لكاتبات، تبين لي فيما بعد أن الكاتب رجل، وإن شاع ذاك، فمنهم من واصل الكتابة تحت ذات الاسم النسوي، فمثلا في الكتابة الصحفية، كتب مفيد فوزي ونشر كتابا تحت اسم نادية عابد، كما فعل الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه، من تقنع باسم ليلي سليمان.

ولقد وجدت عند البدء، ما مازال رائجا في التو والساعة، معاضدة الكتابة النسوية، من قبل الرجال دعاة المساواة وتحرير المرأة، ومن ذا اتخذت في الأول وعند عنفوان العمر، أسماء نسائية لنشر ما أكتب، خاصة في القضايا الشائكة ما يخص المسألة النسوية. وقبل هذا الاعتبار تربيت في بيت أب، يكن احتراما لبناته ولجنسهن، وفي مجتمع تقليدي ممكن فيه نسب الابن لأمه، دون حرج ولا تقليل شأن، فمثلا كان من رفاق المدرسة من تدعى عائلته "بن بريكة"، ولعل من هذا وتلمذتي لسلامة موسي ويوسف القويري والصادق النيهوم، فسيمون دي بوفوار وإريك فروم ومن في حكمهم، كان موقفي الجذري في التوكيد على المساواة وحرية المرأة.

كتاب "رحلة القلم النسائي الليبي " للكاتبة والبحاثة شريفة القيادي- منشورات ELGA – الطبعة الأولى 1997م، وهو تقريبا رسالة ماجستير معدلة ومضافة، كما تشير الباحثة في مقدمتها المؤرخة بسبتمبر 1981م، وبين التاريخين زمن يبين ما واجهته الكاتبة من صعاب حتى نشرت الكتاب. وقد لفت نظري في متنه، الإشارة إلى مقال نشر بعنوان: هل الطلاق حلال؟، مجلة المرأة الجديدة، السنة الثامنة، 15 فبراير 1972م، ص 18، وقد تناولته الباحثة بالمناقشة في عدة فقرات، وهذه هي الفقرة الأولى منه:
"وليس من امرأة متخصصة، مدركة وواعية تعي حقيقة وجودها، وتعرف ما يتطلبه منها الواقع، بحيث تحاول أن تنير الطريق أمام الأخريات، وليس أصعب من قيام المرأة في مجتمعنا مقام الشيخ، بحيث تخرج بفتوى معينة في موضوع ديني مهم. والسؤال الذي تطرقه الكاتبة المعنية وهو: هل الطلاق حلال؟، والإجابة في هذا البحث الذي تكتبه الأخت فاطمة بازامة، وتقول فيه منذ البداية موضحة سبب خوضها الموضوع: "في جلسة عائلية كانت امرأة لا أعرفها تبكي، تجرأت وسألتها عن السبب، قالت: أن زوجها حلف بالطلاق أن لا تفعل كذا، وأنها فعلته، فأتت إلى بيتنا لتبعث أخي يسأل لها أحد الشيوخ عن الأمر، فعاد أخي حاملا من هذا الشيخ، فتوى تحمل الشقاء لهذه الأسرة، وسوء المصير لأطفالها الأربعة. واعترضت أنا على أن الطلاق لا يحدث وصرخت، ولكن ما جدوى ذلك فأنا امرأة ثم أنني لست شيخة".

وليس سرا أبوح به، أن كاتب هذا المقال (هل الطلاق حلال؟) أنا أحمد الفيتوري، فقد وضحت أني فاعل لمثل هذا عديد المرات، حيث كتبت باسم امرأة تارة، وباسم رجل تارة أخرى، ليس في سابق الزمان، بل حتى الحين، خاصة حين يكون لي أكثر من مقال، في عدد واحد من الصحيفة التى أنشر بها. لكن عند البدء مسوغ الكتابة باسم مستعار، دواعيه متعددة ما أشرت لبعضها.