Atwasat

أزمة معيار تقييم المأزق الليبي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 مايو 2020, 05:07 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

تستقطب ليبيا، كبقعة ساخنة منذ بداية 2011، اهتماما دوليا مكثفا ومتزايدا. وتكثر حولها الدراسات، سواء تلك التي تتوخى الموضوعية والعلمية، أو تلك التي تزعم، مجرد زعم، انطلاقها من موقف موضوعي ومنهج علمي. إذ إن كثيرا من هذه الدراسات يحاول التعبير، بقدر يتفاوت في الوضوح من دراسة لأخرى، عن مواقف وتوجهات النظام السياسي الذي تحمل جنسيته المطبوعة أو الكاتب، وبالتالي فهي تنطوي على قدر من الانحياز لأحد طرفي النزاع، في الحرب الأهلية الجارية حاليا، والتحامل على الطرف الآخر. ومثل هذه الدراسات الأخيرة يكون لها أثر سلبي على رؤية قرائها ممن ليس لديهم إلمام كاف بالشأن الليبي.

في سياق هذا الاهتمام خصصت مجلة "السياسة الدولية" الصادرة عن "مؤسسة الأهرام" عدد أبريل 2020 ملفا حول ليبيا اختارت له عنوانا لافتا هو "المأزق الليبي".


يبرر كاتب الدراسة التقديمية "ما بين الصخيرات وبرلين.. ليبيا إلى أين؟" أبو بكر الدسوقي، مستشار تحرير المجلة، إعداد الملف بالقول:
"لا شك في أن الأزمة الليبية الممتدة منذ عام 2011 أصبحت بمنزلة المأزق لكل أطرافها المحليين، والإقليميين والدوليين، [...] فقد أصبحت الدولة الليبية حالة من الانقسام السياسي والانفلات الأمني، وتعمقت هذه الحالة بالاشتباك العسكري المباشر بين طرفي الأزمة، في ظل تداخل أطراف إقليمية ودولية في الصراع، خاصة تركيا" (ص 72).

ولسنا ندري لماذا خُصت تركيا بالذكر من بين جملة أطراف "إقليمية ودولية" متداخلة في هذا الصراع. واللافت للنظر في المقتطف أعلاه أنه لم يؤتَ على ذكر الأطراف الأخرى، أو بعضها، ولصالح أي من الطرفين تدخلت.

على نفس النغمة تعزف إيمان زهر في مقالها "فرص التسوية السياسية واحتمالات التصعيد العسكري في ليبيا" حين تشير إلى "اشتداد حدة التنافس الإقليمي بين المحور التركي- القطري، الداعم لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، والقوى الأخرى المناهضة له" (ص: 91)، دون أن تسمي "هذه القوى الأخرى المناهضة له" ودون أن نعرف هل هي دول إقليمية أم خارج إقليمية أم منظمات.

د. أيمن شبانة في مقاله "الصراع الليبي.. عوامل التصعيد ومآلات التسوية" توخى قدرا من الاعتدال بشأن الأطراف الخارجية المتورطة في الإسهام في إشعال نيران الحرب الأهلية في ليبيا. حيث يقول بهذا الشأن:
"ظلت الساحة الليبية مرتعا لأجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية، التي تسعى لتوجيه دفة هذه التحولات السياسية بالبلاد، والضغط بكل السبل لتحقيق مصالحها" (ص: 77)، مشيرا في هذا السياق إلى دول حلف الناتو وقطر. وبصدد حصول طرفي الاحتراب على السلاح يقول "تعد تركيا أهم موردي السلاح لحكومة الوفاق، فيما يتحصل الجيش الوطني على السلاح عن طريق روسيا، وفرنسا والأطراف الإقليمية" (ص: 78). ممتنعا عن تحديد هذه "الأطراف الإقليمية".

تسلك المسلك نفسه د. عزة هاشم في مقالها "المصالح والمحددات الروسية حيال الأزمة الليبية" حين تشير إلى أن روسيا "تقدم الدعم العسكري والسياسي إلى المنطقة الشرقية، حيث يوجد معسكر الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر، بينما تقوم بالتعامل مع المجلس الرئاسي في المنطقة الغربية، حيث تناقش عقودا لاستكشاف النفط، وتبحث عن فرص اقتصادية لها في العاصمة الليبية، حيث مقر المجلس الرئاسي، لكنها لم تفتح سفارتها في طرابلس" (ص: 115) وواضح هنا أن الدعم الروسي الفعلي (= العسكري) هو لصالح طرف، ولا يوجد دعم من أي نوع للطرف المقابل "حيث يتضح مدى قدرة الجانب الروسي على انتهاج مسار مزدوج من خلال دعم وتحفيز صعود حفتر من جهة، مع الإبقاء على حوار مفتوح مع حكومة طرابلس من جهة أخرى" (ص: 115).

مما سبق نلحظ انحيازا متعمدا يخرج عن المسار الموضوعي العلمي لطرف محدد من طرفي النزاع والتحامل على الطرف الآخر، كما نلحظ صمتا، متعمدا أيضا، عن تسمية بعض الدول الإقليمية الداعمة للطرف الذي شن هجوما ضاريا على عاصمة البلاد، طرابلس.