Atwasat

هل تكون نهاية "فيس بوك" على يد كرمان؟

عبد السلام الزغيبي الثلاثاء 19 مايو 2020, 02:38 صباحا
عبد السلام الزغيبي

عندما قرأت خبر اختيار إدارة موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعي لليمنية توكل كرمان.. في عضوية مجلس الحكماء، في مواقع الأصدقاء على صفحة الفيس بوك، لم أصدق الخبر في البداية، واعتقدت أن الموضوع مجرد فبركة. لكن عندما دخلت موقع قناة البي بي سي عربي، تأكدت من الخبر الذي أثار كثيراً من حملات الاستنكار والاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة و أنّ كرمان "حسب رواد المواقع" معروفة بتوجهاتها وانتمائها وولائها لجماعة الإخوان المصنّفة في كثير من الدول كتنظيم "إرهابي" يبث الكراهية والفتن في دول مختلفة.. وتفاجأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالخطوة التي قامت بها شركة فيسبوك، متسائلين عن المقاييس والأسس التي اعتمدتها الشركة في تعيين القيادية في حزب الإصلاح اليمني الإخواني، الذي كُشفت مؤخراً علاقته بتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من التعليقات حول تعيين الإخوانية اليمنية لافتين النظر إلى أنّ إدارة فيسبوك تجهل طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي العربي في اختيار كرمان ضمن لجنة الحكماء، فهي التي وظفت مواقفها لخدمة أنظمة وأحزاب ترفض التنوع وتنشر الفتنة والتحريض وتدعم تنظيمات إرهابية وترعى ميليشيات مسلّحة.

حسب رأيي فإن توجهات "كرمان" الإسلامية المتطرفة وانحيازها إلى طرف سياسي معين ضد طرف آخر، يفقدها المصداقية لتكون عضو مجلس حكماء مهمته الفصل في قضايا حساسة مثل حرية التعبير والحرية الدينية والرقابة على الإنترنت والشفافية. وهي مسائل جد خطيرة لا أعتقد أن لها من الحيادية، لتكون الحكم الفصل في مثل هذه الأمور، نظرا لخلفيتها الإسلامية المتطرفة وتوجهاتها السياسية المنحازة.

كل هذه المسائل الحساسة، تفقد موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مصداقيته وحياديته وبالتالي ثقة رواد الموقع، وهو عمل يهدد بإقصاء غالبية قائمة عملائها..

إذا تم تفعيل عمل مجلس الحكماء، كما أعلنت شركة فيسبوك، وكانت السيدة "كرمان" عضوا فيه، من بين 20 عضوا، وهو المجلس الذي سيبث في المستقبل في المضمون الخلافي على موقع التواصل الاجتماعي، وسيكون بمثابة "محكمة عليا" تكون لها الكلمة الفصل في إبقاء مضمون مثير للجدل أو حذفه عن فيسبوك وإنستغرام، فإن هذا الإعلان يعتبر بمثابة عودة لمحاكم التفتيش، و يذكرنا بـ "أمريكا" المكارثية.. أمريكا جوزيف مكارثي التي قامت بملاحقة المثقفين والفنانين وأساتذة الجامعات والعلماء في الخمسينات من القرن الماضي، أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى بحجة "مكافحة الشيوعية".. حتى لو كان هؤلاء من ألد خصوم الشيوعية! وقد أساءت تلك اللجان إلى عدد كبير من الشرفاء من الكتاب والفنانين والسياسيين الأمريكيين ذوي الميول الاشتراكية في ذلك الوقت بتهمة العمالة للاتحاد السوفيتى ومعاداة الولايات المتحدة الأمريكية، مما اضطر العديد من العاملين في حقل صناعة السينما في هوليوود وعدد من الشخصيات العامة، ربما كان أشهرهم العبقري شارلي شابلن والسيناريست الأمريكي الفذ دالتون ترامبو وعالم الفيزياء الشهير ألبرت اينشتاين والروائي والمسرحي الأمريكي آرثر ميللر والمناضل مارتن لوثر كينغ وغيرهم إلى الرحيل عن أمريكا، أو العمل في ظل مناخ عام من الريبة والخوف الذي لا يساعد على الإبداع.

ولكن انتبه المجتمع الأمريكى بعد سنوات إلى أنهم يؤسسون لدولة قمعية بحجة مكافحة الشيوعية أو حماية القيم الأمريكية وتم وقف تلك الإجراءات القمعية بعد سنوات وتم انتقادها بقوة داخل المجتمع الأمريكى، ومنذ ذلك الوقت يطلق مصطلح المكارثية على الإرهاب الفكري الذي يمارسه البعض ضد المختلفين معهم في الآراء ويطلق كذلك على الفاشية التي تصيب المجتمع في الظروف العصيبة.

لكن تجربة المكارثية تم تطبيقها في عدة بلدان عربية، بأشكال أخرى، تحولت العديد من الدعوات البريئة فى العديد من الدول مثل حماية المجتمع، وحماية النظام العام، أو مكافحة التعصب إلى نتيجة عكسية، وإلى تشكيل أنظمة استبدادية جديدة رغم أنها بدأت بشعارات براقة وتم ظلم الكثيرين تحت شعارات مكافحة الظلم. وباتت هذه الإجراءات معمولا بها في كثير من الدول العربية، مثل سورية وليبيا ومصر والأردن، وأشدها في العراق في سنوات ( 2003 -2011) وزادت حدتها في سنوات ما بعد الربيع العربي.

في اعتقادي، إن تكوين لجنة الحكماء في موقع الفيس بوك، يذكّرنا بروح وذهنية محاكم التفتيش والحقبة المكارثية في أمريكا وقوائمها السوداء، وكأن جوزيف مكارثي يُبعثُ حيـاً..على هيئة توكل كرمان.

هذا الإجراء الغريب العجيب، أعتبره بمثابة العودة إلى المربع الأول.. ما قبل استحداث وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير والرأي دون رقيب وعودة لسنوات تكميم الأفواه ومقص الرقيب، وفشل للتجربة التي توسم الناس فيها خيرا... وممارسة للإرهاب الفكري الذي يحدث ضد كل من يتحدث عن مبادئ مجردة وكل من يعبر عن رأيه أو تخوفاته، عبر إنشاء محاكم تفتيش جديدة فى وسائل التواصل الاجتماعي ومكارثية تتبع مقالات الرأى وتتصيد الفضفضة عن التخوفات وتسجل النقاشات ثم تصنف مستخدمي الفيس بوك بحسب توجهاتهم الفكرية.