Atwasat

الكتاب كالحب خذهُ بِقوة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 مايو 2020, 11:06 صباحا
أحمد الفيتوري

الطفل من باشر سنة أولى ابتدائي، عليه أن يشرع اليوم، بفتح الدكان رفقة الأب، كل صبح عند حوالي السادسة، ثم أن يرشم أرقاما، هي قيمة المواد الغذائية، ما استدان الزبون. المدرسة قرب الدكان، بحي دكا كين حميد بمدينة بنغازي، حيث عند الظهيرة ومغادرة المدرسة، يعود إلى الدكان، الطفل من لم يكمل السادسة من عمره، فيذهب الأب إلى البيت، لتناول وجبة الغداء مع قيلولة قصيرة. في هذه الفترة لا زبائن عادة، حارس الدكان الصغير يغالب النعاس، بقراءة كل ما كتب على العلب، كان في البدء يتهجى المكتوب، حتى تمكن من حفظ أسماء الشركات الكبرى، مثل صابون لوكس، مسحوق تايد، مكرونة ديستيفانو، حليب كارنيشن، بسكويت أوكسفورد.

الصبي عمران، من يكبره بسنوات، ابن صديق والده، يمتلك مجلات مصورة، شده فضول مطالعتها كالصبي عمران، فاستعارها مقابل قطعة شوكلاته "كوك برينج". ثم عاش في تلك المجلات حياة جديدة، مترعة بالألوان والقصص، اغتبط أن ما طالعه، كما حكايات الجدة، مع فارق أن لأول مرة، يرى الشخصيات والتشكيلات ما كان يتخيل. عند تجلى للأب حالة الطفل، أدرك أنه أمسك خيط الدمية، فالطفل جعل الدكان قاعة مكتبة، فمنحه النقود لشراء الجديد من مجلات: سمير، ميكي، سوبرمان، لولو، ما استبدلها مع عمران بمجلات قديمة: سندباد، الليبي الصغير، ثم قصص الكيلاني.

الأب الأمي، من أصدقائه الذين يترددون على الدكان، فرج رئيس الحرس البلدي، من يتكيء على موتوسيكل البلدية، بعد سنده قدام الدكان، يخرج رواية من سلسلة أرسين لوبين، أو لاجاثا كريستي، وينغمس في القراءة، أثناء انشغال صديقه بزبائنه، وعند ذات المكان كثيرا ما يدخل الطالبان بالجامعة، صديقا الأب في جدال متحيز، أحدهما يناصر كاتبه المفضل طه حسين، فيما الأخر لا يرى كاتبا غير عباس محمود العقاد. الطفل من قرأ بمجلة سمير، رواية توفيق الحكيم"عودة الروح"، مسلسلة كقصة مصورة للاطفال، علم أيضا أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أشاد بتأثير الرواية عليه، لهذا بات أثناء وطيس المعركة بين الطالبين، منحازا لتوفيق الحكيم.

الأب الأمي، دفع ابنه لشراء مجلات الكبار أيضا، ليقرأ له ما يستطيع إليه سبيلا، من مجلة المصور المصرية والصياد اللبنانية، فليبيا الحديثة ما ملحقها الهدية الأسبوعية، مجلة الليبي الصغير، عندها طلب الصحف أيضا: الحقيقة الليبية، الأهرام المصرية، الأنوار اللبنانية. ثم عاجلا ما جعل الأب، من ابنه كاتب رسائله، فكاتم أسراره، ومقابل وظيفة السكرتير هذه، منحه حرية أن يقرأ ما يشاء، وأن يحصل على المال بقدر تكاليف المهمة.

الطفل ابن الأب الأمي، وقع في حب القراءة، نار الحب أججت فيه دهشة الطفولة، لذا عاش ولعا يتخطى الزمن. موسى صاحب محل الجزارة، المجانب لدكانة الأب وصديقه، ولع بقراءة الكتب، وعند ابنه سلامة وجد وجده، سيرة سيف بني يزن، فالتهمها معه، ومعه صار مجنون سير، عنترة بن شداد، سيرة بني هلال. وفي البلاد أي وسط المدينة، عندما يبعثه أبوه لشراء بضاعة للدكان، عند الفندق/ سوق الخضار والفواكه وما شابه، يبيع عواجيز كتبا، تدعي الكتب الصفراء، لاصفرار ورقها ولمحتواها من خرافات وأساطير وسحر، اقتنى مثل تلك الكتب، ومن الكشك الذي عند الفندق، كما كان يشتري المجلات والصحف، أخذ في اقتناء كتب حديثة، ومن طرائف ما حدث، أن لفت نظره كتاب "هؤلاء علموني"!، فاسم كاتبه سلامة موسى، اشتراه وفي الظن، أن الكاتب ظل صديقه: سلامة موسى.

بقوة الحب أخذ الكتاب، ومن كتاب أخذه كتاب، لكن المجلة لم تفارقه البتة، فالمجلات خارطة وبوصلة الكتب، كتب كثيرة عرفها، قرأ عنها ولم يقرأها، قرأ منها أحيانا فصلا فقط، كانت المجلة سندباد، الرحالة الذي يجول به في بحار ومحيطات الكتب. فصار يرى في الهلال قمر الكتاب، قبل أن يكتمل، حتى أنه إلى اليوم، يبحر في عالم الكتب المترجمة والمؤلفة، بقارب المجلة ما تحتوي قبل، كُتبا ستصدر.

لذا يأتيه صديق، بخبر صدور كتاب يوم أمس، في بلده، أوفي بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة، فكان يدهش الصديق أنه قرأه، ويأخذ في سرد محتواه، وان لم يبين لصديقه، أن طالع الكتاب، أو فصولا منه أو حتى فصلا في مجلة، فالحقيقة الغائبة أن الكثير من الكتب، هي مجمعة من مقالات للكاتب، وإن مترجمة كثيرا ما تنشر كفصول في المجلات، التي تُعد سندباد الثقافة، لكل محب مجنون القراءة.