Atwasat

قانون ساكسونيا الليبي...

عبد السلام الزغيبي الأربعاء 06 مايو 2020, 10:41 صباحا
عبد السلام الزغيبي

المتنفذون، المرموقون، الحيتان، المخترقون للقانون، القطط السمان، كلهم يجتمعون على مبدأ واحد، هو اختراق القانون، ومخالفتة وحماية أنفسهم ليغردوا طليقين بعيدًا عن سلطة القانون.

والقطط السمان هو مصطلح سياسي يصف الطبقة الغنية والمترفة والجشعة في المجتمع. وهو في الأصل مصطلح إنجليزي دخيل على اللغة العربية. من أوائل من استخدم هذا المصطلح كاتب في "نيويورك تايمز" فقد استخدم لفظة القطط السمان كرمز "لعمق الفساد المالي في حملات انتخابية لتجار مترفين".

في ليبيا المنكوبة، توسع معنى هذا المصطلح اليوم ليشمل، نواب البرلمان، ونواب العمولات، والثوار الذين تحولوا بقدرة قادر وبين يوم وليلة الى أصحاب نفوذ، يتحكمون في رجال السياسة، ويقتسمون معهم بزنس كل
شئ ابتداء من توريد السلع، إلى تجارة العملة، وتهريب الوقود والبشر، والاستيلاء على بيوت الناس، وعلى الأراضي.

هؤلاء شكلوا طبقة مختلفة عن المواطنين العاديين الكادحين من عامة الشعب من البسطاء الذين ينتظرون مرتبا يستلمونه بعد شهور، ويزاحمون بالساعت أمام البنوك للحصول على سيولة نقدية لا تكفي مصاريف شهر واحد، ومن ثم ينتظرون شهورا أخرى، ويعانون من الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الأساسية، وهكذا. أما أفراد الطبقة ذات التأثير الأقوى والنفوذ والجاه والسلطة، وهي الطبقة المرموقة، فهم يستعبدون الطبقة الأدنى، ويرمون لهم الفتات على شكل، "مخصصات شهرية للأفراد".

هؤلاء المرموقون وضعوا قانونهم الخاص، قانون أشبه بـ «قانون ساكسونيا» وإليكم أصل هذا القانون العجيب:

المكان: جمهورية ألمانيا، ولاية ساكسونيا، إحدى ولايات ألمانيا الست عشرة، والتي كانت قبل الوحدة الألمانية إحدى أهم ولايات جمهورية ألمانيا.
الزمان: القرن الخامس عشر الميلادي.
الحالة: ولاية مزدهرة تجاريًّا بفضل الطبقة الكادحة من عامة الشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحت إمرة طبقة النبلاء الأغنياء المالكين لزمام الأمور سياسيًّا واقتصاديًّا في الولاية.
كان نبلاء ولاية ساكسونيا يرون، أنهم طبقة مختلفة عن المواطنين العاديين الكادحين من عامة الشعب من الفقراء الذين كانوا يعملون تحت إمرتهم، فهم الطبقة ذات التأثير الأقوى والنفوذ والجاه والسلطة، مما جعل مشرعي القوانين من هذه الطبقة يشرعون قانونًا خاصًا يعطي كل طبقة قدرها، يعاقب اللصوص والمجرمين من كلتا الطبقتين: عامة الشعب الفقراء، والنبلاء الأغنياء دون تمييز، وبذلك تتحقق العدالة.

فإذا كان المجرم من طبقة عامة الشعب الفقراء قاتلًا فيؤتى به في وضح النهار وينفذ فيه حكم الإعدام بقطع رقبته وسط جمع غفير من الناس، وكذلك السارق أو المحكوم عليه بالجلد، فيجلد بنفس الطريقة أمام جمع من الناس ليعتبروا، وإن كانت العقوبة السجن فيسجن.

ولكن ماذا كان يحدث في حالة النبلاء «علية القوم»!!

إذا كان المجرم من طبقة الأغنياء النبلاء فإن قانون ساكسونيا كان ينص على أن تنفذ العقوبة على «ظله»، فإذا كان قاتلًا يؤتى به وسط جمع غفير من الناس وفي وضح النهار تقطع رقبة «ظله»، وإن كان محكومًا عليه بالجلد فيجلد «ظله»، وإذا كان محكومًا عليه بالسجن فإنه يدخل السجن من الباب الرئيسي ويخرج في الوقت ذاته من باب مخصص للنبلاء، هذا هو قانون ساكسونيا، لا تستعجب، العالم الآن ونحن فى القرن الواحد والعشرين مليء بقوانين ساكسونية، ولكن بأسماء جديدة تواكب العصر الجديد.
ولاية ساكسونيا الآن من أهم ولايات ألمانيا ازدهارًا، وتتمتع بأعلى نسبة نمو اقتصادي بين ولايات ألمانيا، ذلك نتيجة سيادة القانون، والعدالة الاجتماعية.

منظومة الفساد الليبية الجديدة استلهمت التجربة الألمانية.. وتفوقت عليها بجدارة. ولم تعد هناك حاجة إلى إجراء محاكمات من الأساس.

فيها الفساد يرتع ويمرح، دون رقيب أو حسيب، كل سارق وكل مرتشٍ وكل حر طليق، النائب العام الليبي يصدر مذكرات ولا أحد ينفذها، كان قد أصدر عديد المذكرات بحق أشخاص متهمين في قضايا عدة، لم يتم تنفيذها، والسلطة القضائية في ليبيا تعاني من انتهاكات خطيرة، وصلت إلى اغتيال ستة قضاة من بينهم النائب العام السابق المستشار عبد العزيز الحصادي. وآخرها كان اختطاف عضو ديوان المحاسبة في طرابلس.

كل الأعمال اليدوية أو العقلية التي يقوم بها الإنسان هي أعمال شريفة.. لكن الغريب والمستهجن هو أن يصبح الشخص من أصحاب الملايين بين يوم وليلة بعد أن كان يعمل سائق سيارة ميكروباص أو صاحب ورشة تصليح تلفزيونات.. ساعده في ذلك أن القانون لايطبق عليه، وليس هناك إمكانية محاسبة مثل هؤلاء إلا بقيام دولة القانون..