Atwasat

"براءة" التعابير غير البريئة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 03 مايو 2020, 01:32 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ثمة ألفاظ وتعابير تعتبر محايدة وبريئة للبعض، ومنحازة وغرضية للبعض الآخر، بناء على التوجه السياسي والآيديولوجي، وحتى المستوى المعرفي، لكل شخص. فلفظة "إسرائيل" تعتبر دلالة واقعية ومشروعة على الدولة "المنصوبة installed" على الأرض الفلسطينية، بالنسبة إلى الصهاينة وغالبية سكان البسيطة، الذين يرون هذا الأمر عاديا. لكن عموم العرب وكثير من المسلمين يرونها دولة غير شرعية وبمثابة فايروس في جسد المنطقة. زمان لم يكن عموم العرب قادرين نفسيا على التلفظ بلفظة "إسرائيل"، بل كانوا يقولون "الكيان الصهيوني" أو "دولة العدو الصهيوني" أو "دويلة إسرائيل". لكن منذ عقود أصبحنا نسمع دعوات جهيرة "للتطبيع" مع "إسرائيل" ونشهد دولا عربية تقيم العلاقات معها.

في الآونة الأخيرة أخذت تنتشر على موقع التواصل الاجتماعي الأبرز، الفيسبوك، أشرطة عن اليهود الليبيين في "إسرائيل" الذين مازالوا متمسكين بالأطعمة والعادات والتقاليد الليبية. وسواء كان إطلاق هذه الأشرطة بناء على مؤامرة تقف وراءها منظمات صهيونية، أو تثمينا من الليبيين لوفاء اليهود الليبيين في "إسرائيل" لوطنهم الأصلي وإظهار التسامح إزاء الأديان والتمسك بمبدأ المواطنة، فإن إشاعة هذا النوع من الأشرطة قد يحمل اقتراحا بالسماح بعودة اليهود الليبيين إلى ليبيا وما يستتبعه ذلك من التعويض عن ممتلكاتهم. فهذه الأشرطة، البريئة في الظاهر، قد تستبطن هدفا سياسيا ينبغي أن يكون محل نقاش على المستوى الوطني الليبي، خاصة وأننا سمعنا بعض الأصوات، الليبية، لا تعترض على التطبيع مع "إسرائيل". إن موضوع عودة اليهود الليبيين إلى وطنهم الأصلي، ليبيا، مرتبط بحل القضية الفلسطينية والوجود "الإسرائيلي" حلا عادلا (إنسانيا). وهذا الحل الإنساني العادل يتنافى مع وجود "إسرائيل" ككيان استعماري استيطاني ديني عنصري.

يتحدث الإعلام الإسرائيلي عن "عرب إسرائيل"، وتحذوحذوه، عن علم أو جهل، بعض أجهزة الإعلام العربية [لا نهتم هنا بأجهزة الإعلام غير العربية]. والحقيقة أن هذا المصطلح يحمل مغالطة، بالأحرى مغالطتين، من جانب، ويحمل من جانب آخر هدفا سياسيا استعماريا. فعلى الجانب الأول، لا يشمل هذا المصطلح، في العرف "الإسرائيلي" اليهود العرب القادمين من اليمن والمغرب وليبيا والعراق... باعتبار أن الدعاية الصهيونية تعتبر اليهودية قومية وليست مجرد دين، وبالتالي فاليهود العرب لا ينتمون إلى القومية العربية والجنس العربي، وإنما إلى "القومية اليهودية" و "الجنس اليهودي". ومن الناحية السياسية، يستهدف الإعلام "الإسرائيلي" تكريس فكرة أن فلسطين كانت شبه خالية من السكان حينما وفد إليها المهاجرون اليهود وأنه لم يكن ثمة وجود لشعب اسمه الشعب الفلسطيني تمت إزاحته بالقوة من الأراضي المعتبرة الآن دوليا أنها أراض "إسرائلية". لا وجود للفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948، وإنما مجرد أقلية عربية تسمى الآن "عرب إسرائيل".

مؤدى هذا الكلام، هو أنه إذا كنا معادين (أو على الأقل معترضين) على الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، و "الدول العنصرية والدينية" فينبغي توجيه عنايتنا إلى مثل هذه التعابير وعدم استخدامها، ونقدها وإيضاح عدم غرضيتها.