Atwasat

اليوم يا غريفة فيك الضي..

عبد السلام الزغيبي الإثنين 27 أبريل 2020, 09:54 صباحا
عبد السلام الزغيبي

في معاجم اللغة العربية: غريفة [ مفرد ]: ج غريفات: تصغير غرفة

سميت الجنة «بالغرفة» لارتفاعها، والغرفة هي الدرجة الرفيعة، وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها، كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا، جزاء بما صبروا على القيام بذلك، وبصبرهم على أمر ربهم، وطاعة نبيهم عليه الصلاة والسلام، بما صبروا على الفقر والفاقة في الدنيا وعلى الشهوات. وهي منزل عال ودرجة رفيعة في الجنة { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } - { وهم في الغرفات ءامنون } - { لنبوئنهم من الجنة غرفا }

الغريفة هي تصغير لكلمة الغرفة، وعادة ما تكون في الطابق الثاني للمنزل ولها نافذة تطل على الشارع.. وعلى وسط الحوش "البيت"..

الغريفة هي مدينة في وادي الحياة في جنوب ليبيا.. (أوباري) وأشهر مناطقها هي منطقة جرمه الأثرية والتي صنفتها منظمة اليونسكو مدينة تاريخية وهي من أشهر مدن فزان وكانت حلقة وصل بين الساحل والصحراء قبل آلاف السنيين عبر حضارة الجرمنت المعروفة وتشتهر هده المدينة بمتحفها العريق الذي به الكثير من المقتنيات والتحف الأثرية التي استقطبت اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين بالآثار.

يرجع سبب التسمية، إنه لما جاء المرحوم الشيخ عبد الله بن عمر بن حامد الحطماني ووجد المنطقة أرضا فضاء واسع أقام بها هو وأولاده وأتباعه، وأقام بها بناءا عاليا وفوقه دار. وكان يطلق على هذه الدار في الأزمنة الماضية تسمية الغرفة، فكان كل قاصد إلى هذا المكان يقول أنا ذاهب إلي الغريفة وهو تصغير لكلمة الغرفة وروي لنا أنهم كانوا يقولون في البداية غريفة الشيخ عبد الله وكل من يتجه إلى هناك يستعمل تعبير ذاهب إلى غرفة الشيخ عبد الله ومع الوقت وبمرور الزمن وبعد أن أصبح المكان معروفا اقتصرت التسمية على الغريفة وهكذا استقرت التسمية.

وفي مملكة البحرين هناك قرية تسمى كذلك "الغريفة" وهي تقع تحديداً شمال ميناء سلمان، بمحاذاة شارع الفاتح من جهة الشرق.. ويحدها شارع الجفير من جهة الشمال، يبلغ عدد سكانها تقريباً الـ 900 شخص، وقد عُرف عن أهلها الطيب والكرم وبساطة المعيشة وحب الترابط فيما بينهم حتى شهد بذلك كل من عرفهم وعاش بينهم.

وسبب تسميتها بهذا الاسم، أن هناك رواية مفادها أن عشيرة علوية منحدرة من نسل علي وفاطمة عليهما السلام أصلها من البصرة، استوطنت القرية وكان عميدهم قد بنى له غرفة صغيرة تقع على مجرى ماء لتكون باردة في أيام القيظ، وهذا شيء جديد على الأهالي الذين ما إن عرفوا بالغرفة حتى أطلقوا على المنطقة التي فيها كلمة "الغريفة"وهي كلمة تصغير لغرفة..

ووصف اسم "الغريفة" نجده في التراث الشعبي الليبي، في أغنية اشتهر بغنائها يهود ليبيا، تقول كلماتها:

اليوم يا غريفة فيك الضي وفيك زويل يعز علي..

فيك النور وفيك مولى السالف مضفور

ايجي يدفر كيف البيبور سفينة والرايس رومي

فيك النعناع وفيك لريل بو عيون وساع

تمنيته في السوق انباع ومنه خلولي حقي..

اليوم يا غريفة فيك الضي وفيك زويل يعز علي..

لا رضع لا جاب فروخ وفي حجره ما رقد شي..

اليوم يا غريفة فيك الضي وفيك زويل يعز علي ..

فيك فنار وفيك روشن يفتح عالدار

انا نطلب سيدى الهدار

يسخرلي مشكاى تجي

فيك عنب وفيك بنية تتشقلب

مصبوبة في القالب صب

ومخصوصة في العقل شوي

اليوم ياغريفة فيك الضي

فيك شقوق وفيك روشن يفتح على السوق

طلبتك يا سيدي الزروق تقرب زول الغالي

مناجاة من حبيب لمحبوبته التي تسكن في العلالي ولا يستطيع الوصول إليها.. يخاطبها ويناجيها من بعيد، يصف جمالها ويصورها بأشكال مختلفة...

عُرف أن أصل الاغنية يهودى و كانت من بين أشهر تلك الأغاني القديمة التي كانت تغنيها المطربات اليهوديات، من أبناء الأقلية اليهودية التي عاشت في مدينة بنغازي، واتخذت من شوارع وسط المدينة سكنا لها وعاشت بين الناس البسطاء في شوارع (سي علي الوحيشي، والشويخات، وعثمان ابحيح، وبن عيسى، وقصر حمد)، بحسن السيرة وطيب السلوك، والشعور بالأمن والأمان، وكان لهم مدارسهم، (مدرسة بشارع المهدوي، وأخرى بمنطقة سيدي اخريبيش)، ومعابدهم (معبد في شارع مختار الصابري، وآخر في شارع سي سعيد).

كان للأقلية اليهودية، دورها الفني الريادي، بحكم تحرر أفرادها بعض الشئ من العادات والتقاليد (كما أعتقد). وكان الناس فى بنغازى على سبيل المثال، ـ ومنذ استيطان هذه الأقلية في مدينة بنغازي، بعد خروجها من الأندلس ثم تونس ومنها إلى ليبيا،ــ يستعينون ببعض النساء والرجال من يهود بنغازى لإحياء الأفراح، والحفلات الغنائية. لأنه كان من العيب أن تعمل المرأة الليبية كمغنية إلا داخل "أسوار" بيت العريس أو أهل العروسه..

برز من الفنانين اليهود على سبيل الذكر لا الحصر، دوخه، كاكى، بن نحاسى، السحنتى، الزقيني، ابن الزقيني، زكي حبيب، حاييم الصغير)، سالمة (في الأفراح والمآتم)، وتركية، والمطربة والدرباكة المشهورة (بطة)، التي كانت تسكن في حي سوق الحشيش، وتحيى الأفراح في البيوت الليبية، وكانت هناك عربة بحصان، تنقلها من بيتها إلى بيت العرس، بعد أن يتم الاتفاق على الأجر مع زوجها (خاموس)، الذي يقبض الثمن ومعه زجاجة بوخة. بدون أن ننسى المساهمة الفنية الكبيرة، لأشهر شعراء اليهود، الذين عاشوا بين مدينتي بنغازي والمرج، وهو الشاعر أربيب كليمنتي الشهير، بـ "أبـوحليقه"، وقد تغنى بشعره الذي يعتبر من عيون الشعر الشعبي الليبي، العديد من المطربين الشعبيين، ومنهم المطرب الشعبي علي الجهاني: قصيدة "لابس جديد الرنة" كما أنه صاحب قصص ومطالع عظيمة للمثال وليس للحصر.. المطلع الرائع للأغنية الرائعة (ترتج من راسها حتى قدمها.. حزام ما حكمها.. مشي العوج قبل حوته قسمها)...

ولم يقتصر الأمر على مدينة ليبية مخصصة مثل بنغازي بل تغلل اليهود في كل عاداتنا الاجتماعيه ومناسباتنا مهما صغُرت، ونشطت الفنانات اليهوديات خاصة في طرابلس وبنغازي وفي منطقة الجبل الغربي وغريان حيث يتركز سكن اليهود، في اكتساب لقمة عيشهم بين الليبين باحترافهم مهنة الغناء وإحيائها الأعراس الليبيه.