Atwasat

عوائق الهيمنة الصينية على النظام الدولي القادم

محمود محمد خلف الأحد 26 أبريل 2020, 03:12 مساء
محمود محمد خلف

تعالت أصوات الكثير من علماء السياسة والباحثين بالتوقع المفرط في التسرع بأن الصين آخذة في الصعود دوليا وأنها سوف تكون القطب الأوحد المهيمن بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية.

أنا من فترة طويلة تساورني الشكوك حول هذا التوقع الضخم وذلك لوجود المعوقات الجوهرية التالية:

أولاً: عدم مرونة النظام السياسي الصيني

فنظام الحزب الواحد الذي تهيمن عليه نخبة الحزب الشيوعي الحاكمة في الصين ليس في الحقيقة النموذج الأكثر جاذبية لدى شعوب العالم حتى داخل الصين. أنا تحدثتُ مع مواطنين صينيين لا يستطيعون انتقاد النظام القائم، ولكنهم عبروا لي عن تطلعات وأماني بسيطة في الحرية الفردية في مختلف أشكالها. وذكروني وقتها بالأسباب السياسية لسقوط الاتحاد السوفييتي، الذي انهار بالرغم من محاولات غورباتشيف طرح سياسات الجلاسنوست (الانفتاح) بعد فوات الأوان.

مرونة النظام السياسي الصيني ضعيفة جدا، وعدم تساهله في الداخل مع الرأي الآخر، ورفض أي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي والثقافي والفني المناهض لما هو سائد واعتباره هرطقة، ناهيك عن التنظيم السياسي الذي يعتبر خيانة للأمة الصينية وكفرا بتعاليم ماو. وبالرغم من سياسات الانفتاح التي باتت واضحةً تحت تأثير الخوف من انهيار الحزب الشيوعي كما حصل في الاتحاد السوفييتي السابق. ولكن خلال العقدين الماضيين من الألفية الثالثة، كان يتضح تدريجياً عدم مصداقية ولا جديّة الانفتاح الصيني، حيث أضحى واضحاً أنه انفتاح علي العالم رسمياً واستمرار الانغلاق الداخلي. هذا المعوق الأول.

المعوق الثاني: المعوق الثقافي - الحضاري.

وهذا العامل يمكن أن يعود إلى مجموعة من الأسباب: 1) صعوبة اللغة الصينية واستبعاد انتشارها:

لغة الاتصال والتأثير مهمة للتوسع والهيمنة الثقافية على العالم من خلال لغة الأدب والفن والتاريخ والعلوم. اللغة الصينية متنوعة وغاية في التباين والتراكيب من إقليم إلى إقليم، ولا تتحدث بها إلا الشعوب الصينية. فهي مقارنة باللغات العالمية الحية مثل الإنجليزية والألمانية تعتبر ميتة. ومن هنا، لا تستطيع الصين الهيمنة ثقافيا بسبب حائط اللغة.

2) خرافة الصين مركز العالم: من الغريب جدا أن تجد في العالم شرائح واسعة من الشعوب الصينية مازلت تؤمن أن الصين مركز العالم. بل والأسوأ أن نجد الكتب المدرسية تكرّس هذا الاعتقاد البالي.

3) الغلو في تمجيد الماضي الذي سيطرت عليه الأساطير والخرافة والمبالغة والتعظيم الزائف، الذي تشاهده عند زيارتك للمعالم السياحية والدينية والتاريخية.

هذه الأسباب الثلاثة تشكّل في مجموعها عائقاّ نحو تهيئة شعوب العالم لتقبل كل ما هو صيني. لاحظ الفرق هنا عندما تزور الولايات المتحدة وتسجل في كورس أو دورة في اللغة الانجليزية؛ وتجد المنهج يحتوى على دروس تجسد لك التنوع والتسامح في الحياة الأمريكية وقبول الآخر، بل واندماجه بسهولة في المجتمع الأمريكي والحياة الأمريكية.

العائق الثالث هو المعوق الاقتصادي وهو أكثر العوامل إثارة للجدل. ومنذ البداية وجدت نفسي منهكاً بالبحث عن حقيقة الطفرة الاقتصادية للصين والنمو الذي أحرزته ويُتحدَّث عنها في كل منتدى عالمي. واضطررت إلى مزيد البحث حتى وجدتُ ما يَدعم الفرضية التي دونتها في الصين في زيارتي لها عام 2010، عن طبيعة النظام الاقتصادي غير العادل في تعامله مع القوى العاملة الصينية.

أنجزت دراسات عديدة مهمة حول النظام المالي والنقدي والمصرفي الصيني خصوصا في جامعة برنستون الشهيرة.

سوف ألخص أطروحتي كالتالي: إن من بين المعوقات التي ستحول دون سيادة الصين وهيمنتها العالمية هو ما يتعلق بعجز بنيوي في تركيبة النظام الاقتصادي - الاجتماعي السياسي في إدارته للإنتاج والاقتصاد عموما، وتفصيل ذلك:

1- بيروقراطية الدولة المهيمنة على النظام المالي والمصرفي الصيني.

بلا شك منذ خروج الصين من الأزمة المالية في 2008 بدأت في إعادة النظر في النظام المصرفي؛ جرى انفتاح نحو استقبال الأموال المصرفية الأجنبية والذي بدأ بحذر شديد وبطيء منذ نهاية السبعينات، صدور قوانين تنظيمية خصوصا قانون 2005 الذي شكل هيئة رقابية من شخصيات كلها مرموقة من الحزب الشيوعي الصيني من 400 عضو، وضع ضوابط وعقوبات مشددة على التجاوزات. وتتحرك أجهزة الدولة المالكة لأكبر خمس مصارف إلى جانب المركزي الهيمنة الكاملة تحت ضغوط ضبط التضخم، ومعالجة العجز في حسابات المصارف التعاونية الداخلية، والعمل من أجل تفادي حدوث أزمة نقدية.

وكما أوضحت إحدى الدراسات بجامعة برنسنون فإن "من المستبعد حدوث أزمة في المدى القريب، ولكن إدارة الدولة لممتلكاتها وأصولها عرضة لأزمة في المدى الطويل"*

الذي يهمني هنا هو أن عدم مرونة النظام السياسي قد تركت ظلالها على النظام الاقتصادي والمالي والنقدي؛ الأمر الذي لا ينسجم مع أطروحة الانفتاح العالمي.

(2 ) عدم عدالة النظام الاقتصادي الصيني: نظام الإنتاج المادي الصيني يخضع للهيمنة المطلقة من قبل البورجوازية الصينية الحديثة التي أفرزها الفساد في الحزب الشيوعي.

إن المسألة الصعبة في فهم الفائض المذهل في الناتج القومي في الاقتصاد الصيني تتمثل في نهب الحكومة الشيوعية الصينية لجهد الطبقة العاملة الصينية، بإرغامها على العيش في ظروف حياة غير متكافئة مع الجهد البشري في الإنتاج؛ وحيث يُمتص فائض القيمة لصالح الدولة الصينية والنخبة الحاكمة التى لا تتجاوز 30 مليون أو أقل من المجموع الكلي لسكان الصين الذي يقترب من 1.8 مليار مع 2025. يكفي أن نعلم أنه لا يوجد شيء اسمه ساعات العمل الإضافية.

وبعبارة أكثر دقة وأكثر عدالة ، فإنه لو كانت الدولة الصينية تدفع حقوق الطبقة العاملة كاملة ولا تسرق جهودها، فإن مرتبة الدولة الصينية اقتصاديا لن تظهر حتى في مصاف الدول العشر المتفوقة في فائض الناتج القومي.

الأطروحة الهامة هنا: "إن عدم عدالة النظام الاقتصادي الصيني سوف يميل إلى أن يتعرض النظام إلى زيادة الضغوط والمطالب الاجتماعية وقد يؤدي إلى الانتفاضات الداخلية. وهذا في تقديري سينجم عنه عدم استقرار سياسي داخلي. وبغض النظر عن سقوط النظام الشيوعي من عدمه؛ فإن مجرد زعزعة النظام سوف تتقلص معها فرص الصين في الهيمنة العالمية كقطب وحيد.