Atwasat

الجسد البشري باعتباره نصا

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 26 أبريل 2020, 01:51 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

لا يتناول هذا المقال الجسد البشري من حيث هو حامل رموز ونصوص، مثل الوشم (سواء كان معبرا عن معتقدات سحرية أو دينية، أو لأغراض جمالية) أو حتى الكتابة، ولا عما يُحسِّن شكله من مواد التجميل مثل كحل العيون وألوان الزينة ومفتحات ومطريات البشرة، والرموش الصناعية والشعر الصناعي، والسواك وأحمر الشفاه. وإنما يتحدث عن الجسد بحد ذاته، باعتباره بنية بيولوجية قابلة للتعديل والحذف والإضافة وإعادة الصياغة. ونقصد بالنص هنا أن الجسد، في جميع حالاته، يؤدي معنى قابلا لأن يقرأ بصريا من قبل الآخر.

يبدأ التأثير على الجسد البشري من المرحلة الجنينية، من خلال الأطعمة التي تتناولها المرأة الحامل وقيامها بالرياضة. ثم يستمر بعد الولادة بواسطة التغذية والأقمطة، وبعض الإجراءات التي تقوم بها بعض الأمهات للتحسين من شكل أنف الوليد، مثلا.

تحكم البشر في هيئة أجسادهم يبدأ من العمليات "التحسينية" البسيطة المعتادة. من مثل الحلاقة وتقليم الأظافر وإزالة الشعر غير المرغوب من بعض مناطق الجسد. بهذه الإجراءات، إضافة إلى الملابس، أخذ الإنسان يبتعد، شيئا فشيئا، عن مملكة الحيوان. وبالنسبة إلى النساء يعد استخدام حمالات الصدور ومشدات الخصور، وما إليها، شكلا من أشكال صياغة هيئة الجسد، وجميع هذه الأمور ذات تاثيرات وقتية على الجسد.

لكن التأثيرات العضوية التي تعدل من المظهر الجسدي تبدأ من جسد المرأة الحامل (وهو تعديل مؤقت) وعمليات الختان التي يتعرض لها الذكور والإناث، وتقويم الأسنان وزراعتها. ثم عمليات الجراحة التجميلية التي تعدل في أشكال الشفاه والوجنات والأثداء، تكبيرا وتصغيرا، وعمليات شفط الدهون. وتدخل في هذا المجال أيضا ممارسة الرياضة من أجل التنحيل وبناء الأجساد والحميات الغذائية التي تستهدف إنقاص، أو زيادة، الوزن. هذه الأفعال تعيد، حرفيا، نحت الأجساد، وتعيد صياغة النص الجسدي، الجسد كنص.

إلا أن التعديل الأبعد أثرا هو ذلك المتعلق بزراعة الأعضاء، وهي فعليا عملية استبدال أعضاء سليمة بأخرى معطوبة أو تالفة. هذا يشبه استبدال قطع الغيار في آلة.

أما التأثير الانقلابي فهو ذلك الذي يمحو صيغة جسدية (نصا جسديا) ويحل محلها صيغة جسدية تناقضها. أي تحل نصا جسديا بديلا. ويتمثل ذلك في التحويل الجراحي لشخص من جنس ذكر إلى جنس أنثى، أو العكس.