Atwasat

إعلام محايد!!

صالح الحاراتي الخميس 23 أبريل 2020, 04:43 صباحا
صالح الحاراتي

العبارة أعلاه تمثل في تقديري أحد الأوهام التي يتم الترويج لها من قبل البعض، رغم أن واقعنا يشهد بوضوح أن كل «معظم» المنصات الإعلامية منحازة، بل هي جزء مهم في منظومة الصراع والتجاذبات السياسية في كل مكان.
أقول هذا في الوقت الذي نرى فيه بوضوح أولئك الذين يؤججون الناس ويتلهون بخلق خصومات تلتحف عباءة دينية أحيانا ورداء جهويا مناطقيا ضيقا أحيانا أخرى، ويكيل كل طرف إلى الآخر كل ما يحمل قاموس البذاءات من ألفاظ، مترافقا مع التخوين وكيل الاتهامات؛ في حين يتساءل بعض العقلاء على استحياء، يا ترى ماذا حققنا من كل هذا العبث؟!

لماذا يغيب عنا أن القضايا الحقيقية ليس لها سوى عنوان واحد وهو البحث في مستقبل الأجيال القادمة، الذي قلما سأل عنه أولئك الحنجريون من مرتزقة الإعلام.

ما نراه واقعا في إعلام الدراهم وتحديدا «الفضائيات» التي فتحت المجال للثرثرة بحيث يدير فيها بعض الناس ألسنتهم بمفردات فارغة وخالية من المعنى. لا يقدرون على الخروج من دائرة «التبجيل والتقديس»، لطرف ما، بينما اختاروا أن يقيموا نقدهم على آلية «التخوين والتجريح»؛ فيذهبوا إلى صب لعناتهم وشتائمهم باتجاه بضع نصوصٍ أو شخوص تمثل لهم العدو حسب سياستهم التحريرية.

وبالمختصرالإعلام المضلل لم تتوقف محاولاته للسيطرة على عقول الناس وتوجيه أفكارهم وتعويدهم على الاستماع والاستسلام للمغالطات.

لقد مرت بنا سنوات عجاف، ضاعت فيها البوصلة خلف أيديولوجيات عقيمة، يفتقر أنصارها إلى أدنى مقومات المعرفة الحقيقية لما يجري في العالم من تطور، وانطلت ألاعيب أولئك على جمع من العقول، واستطاعوا بسهولة تمرير ابتلاع طُعم الكراهية والقمع والتخوين وادعاء امتلاك الحقيقة، وانساق الجمع وراء تصديق الجهل والغباء والاستسلام وقبول كل القيم السلبية.

لقد برهنت الأحداث الجارية على أرض الوطن على وجود قدر كبير من تشوه العقول بات واضحا جليا حتى صارت تلك العقول تقبل الكذبة تلو الأخرى، رغم أن كونه «إعلام دراهم منحازا» وأمر تمويله صار معروفا، ولكن ما زالت جموع كثيرة من الناس تتعايش مع الوهم وترفض الحقيقة، واختلطت عليهم المفاهيم والمصطلحات حتى بات البعض يصدق بأن الحرية فوضى، وأن كل شيء مؤامرة، ووصل الأمر إلى إقرار البعض أن الاستبداد نعمة، وأن الديمقراطية نقمة وبدعة، وأن حقوق الإنسان رذيلة، والقمع فضيلة، وقهر الآخر وإكراهه واجب، وبالتالي لا مجال للاستغراب في أن يتم العيش والتأقلم في مناخ يسوده العراك والصراع الدموي العبثي والقبول بالعيش في الوهم، وعشق الأكاذيب، ورفض التنوير.

الإعلام الموجه الديماغوجي الشعبوي الشعاراتي يتم للأسف من خلال عناصر شابة تم استقطابها بالمال، وكنا نعول على بعضهم كشباب مستنيرين واعدين وتم الإشادة بهم يوما ما والتفاعل إيجابيا مع مواقفهم الداعمة للحريات وحقوق الإنسان، حتى تفاجأنا بهم يسوقون الإشاعات ويدورون في ترس نشر الأكاذيب بلا استحياء، ويدعمون الديكتاتورية بلا خجل، وأصبح من أسهل الأمور اتهام أصحاب الرأي الآخر ووصمهم بالعمالة والخيانة، وربما الكفر، لمجرد أنهم لا يسيرون في ركاب الرأي الواحد.
لا شك لدي اليوم بأن كل عقل سليم يستشعر أن إنساننا مشتت يعاني من شيزوفرينيا فكرية وازدواج في المعايير وضبابية في فهم المصطلحات، وللإعلام المضلل دور كبير ورئيسي في ذلك.

إنساننا يحتاج إلى الكثير من الرأفة والإشفاق، ربما بسبب ما أصابه من خيبات الأمل وشح المعيشة ومكابدة الهوان وتغلغل مفاهيم الخنوع في أعماقه، ولكن يقيني أنه سيكشف يوما ما عن أولئك الغوغائيين من مرتزقة الإعلام الذين يغيبون عنه الحقائق.. ويكتشف حقيقة أن الوطن أكبر من أحلام الطامعين في شهرة زائفة على جثث ودماء الأبرياء الذي يتولى الإعلام المضلل التسويق له.