Atwasat

لمحات من أسرار حلم الاستقلال

محمد حمامة الثلاثاء 21 أبريل 2020, 07:03 صباحا
محمد حمامة

 

كشف وثيقة سرية من وثائق الحكومة البريطانية مؤرخة في يناير 1947 بعنوان (مستقبل طرابلس الغرب) تقييم بريطانيا للموقف العام في طرابلس الغرب من وجهة نظرها وشركائها الثلاثة وخاصة فرنسا ورغبتها في التخلي عن طرابلس الغرب وتأييد فرنسا عودة إيطاليا لها.

دعيت الوفود الليبية التي وصلت إلى نيويورك إلى المثول أمام اللجنة السياسية في ليك سيكسيس حيث ألقى السيد عمر فائق شنيب كلمة برقة، وألقى كلمة الوفود الطرابلسية بما فيها وفد هيئة تحرير ليبيا الدكتور محمد فؤاد شكري، ووفقا لما ورد في تقرير الوفد البرقاوي الأول الذي قدمه إلى المؤتمر الوطني البرقاوي حول اجتماع ليك سيكسيس فقد تعرض الوفد لأسئلة كثيرة ومستفزة من المندوب البولندي.

وفي 19 أبريل 1949 صوتت اللجنة السياسية بهيئة الأمم المتحدة على قبول المشروع وإحالته إلى الجمعية العامة للتصويت، واندلعت المظاهرات في ليبيا منددة ورافضة المشروع، وبعيدا عن المبالغة الإعلامية فقد كانت الأسباب الحقيقية وراء رفض الشعب الليبي للمشروع تتمثل في:

1- عودة إيطاليا إلى أي جزء من ليبيا.
2- تعطيل حلم الاستقلال عشر سنين بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل جانبية حول موضوع الوصاية ولكني أقول إن الخيارات أمام الليبيين كانت محدودة.

عرض المشروع على الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت عليه في منتصف مايو 1949 وكان يحتاج إلى ثلثي الأعضاء للموافقة عليه، لكن المشروع سقط بفارق صوت واحد وهو صوت دولة هايتي مع ملاحظة أن عدد الدول الأعضاء في تلك الآونة كان في حدود 57 دولة، وأصدرت الجمعية العامة قرارا يقضى بمنح ليبيا استقلالها بعد عشر سنوات.

تردد في بعض الروايات أن الدكتور علي نور الدين العنيزي رحمه الله هو من أقنع مندوب هايتي إميل سان لو بالتصويت ضد المشروع، وفى أخرى يضاف إليه المرحوم عبد الرازق شقلوف، وواقع الأمر أن الوفود الليبية لم تحضر جلسة التصويت في الجمعية العامة لسبب بسيط، وهو أن ليبيا ليست عضوا في هيئة الأمم المتحدة وليس لها وفد رسمي ليمثلها ويحضر جلسات الجمعية العامة، كما أن الدكتور العنيزي لم يكن عضوا رسميا في وفد هيئة تحرير ليبيا بل كان مثله مثل الدكتور محمد فؤاد شكري (المصري الجنسية) مستشارين للوفد، إذ إنهما موظفان بالجامعة العربية وليس من مهامهما الاتصال المباشر بوفود الدول الأعضاء، أما المرحوم عبد الرازق شقلوف فلم يكن عضوا بالوفد البرقاوي الأول، ومن خلال ما اطلعت عليه من وثائق فإن الوفد المصري هو من كان يتولى الاتصالات نيابة عن وفد هيئة تحرير ليبيا.

إن سؤالا مهما يتبادر إلى الذهن فدولة هايتي هي مستعمرة فرنسية سابقة وهي إضافة إلى المجموعة اللاتينية التي تساند عودة إيطاليا إلى طرابلس واتفقت جميع الروايات على أن سان لو خالف تعليمات دولته بالتصويت لصالح المشروع! فما الذي يجعل عضوا من وفد ليبي يختار مندوب هذه الدولة من بين بقية دول العالم ليقنع مندوبها بالتصويت ضد المشروع؟، إن محاضر جلسات المؤتمر البرقاوي المنشورة على موقع (الباكور) تفيد بأن المؤتمر قد عقد جلسة (يوم الاثنين 16مايو 1949 وحضرها أعضاء الوفد البرقاوي، وهم الشيخ عبدالحميد العبار وخليل القلال وعمر فائق شنيب) مما يرجح فكرة أن الوفود الليبية قد غادرت نيويورك قبل التصويت على المشروع، لكن للأمانة لم يتوافر لي التأكد من وجود وفد هيئة تحرير ليبيا الذي كان من ضمن طاقمه الدكتور على نور الدين العنيزي في نيويورك أثناء عملية التصويت. للأمانة أيضا عليّ أن أعترف بعجزي عن إجابة عدد من الأسئلة التي دارت في ذهني وهي: هل كانت اللجنة السياسية تضم جميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة، أم أنها كانت مقتصرة على عدد معين من الدول؟ وهل كانت هايتي عضوا في اللجنة السياسية حتى أصبح في مقدور عضو من أعضاء الوفود الليبية التي دعيت للمثول أمامها من اختيار مندوبها والاتصال به؟ وهل كان هذا الاختيار بعد الاتصال بأكثر من مندوب؟ وهل تلقت الوفود أو الشخص الذي اتصل وبحث وأقنع مندوب هايتي وعدا من المندوب بأن يصوت ضد المشروع؟. لا ننسَ أن هناك فترة مدتها شهر تقريبا بين جلسة اللجنة السياسية وجلسة الجمعية العامة. إن المسؤولية الوطنية تلزم جميع السادة المهتمين بتدوين التاريخ الوطني بالبحث والتقصي في هذا الجانب وهي أمانة في أعناقهم اتجاه وطنهم وتاريخه الذي طالته أيدي التزوير والتزييف.

تبعات مشروع بيفين – سفورزا على القضية الوطنية.

فى 27 أبريل 1949 أي بعد حوالي عشرة أيام من قرار اللجنة السياسية بعث الأمير إدريس بكتاب إلى وزير خارجية بريطانيا (أرنست بيفين) ذكره بقتال برقة إلى جانب القوات البريطانية والتسويف الذى تتعرض له قضية الاستقلال من الدول المنتصرة وعرض عليه: إعلان استقلال برقة وتشكيل حكومة ديمقراطية دستورية والتوقيع على معاهدة مع بريطانيا تضمن بها برقة استقلالها وتحالفها الدفاعي والتعاوني، وأنها على استعداد للتفاهم فيما تضطر إليه من استراتيجيات.

يغفل الكثير من المهتمين بمرحلة حراك الاستقلال الجانب الإيجابي لفشل مشروع بيفين – سفورزا، الذي عجل باستقلال البلاد، فقد أرسل (دي كاندول) الحاكم البريطاني لبرقة عند الساعة الخامسة عصرا يوم 18 مايو برقية سرية إلى وزارة الخارجية البريطانية يقول فيها (إن الأمير إدريس قد عاد فجأة مساء الأمس من البيضاء وطلب أن أقابله صباح اليوم حيث طلب منا أن نبلغكم فورا فحوى الرسالة التالية: ستتم الدعوة إلى عقد اجتماع للمؤتمر الوطني بكامل أعضائه في بنغازي خلال خمسة أو سبعة أيام وسوف يقوم بالإعلان أمام المجتمعين ما يخص الاستقلال وتشكيل حكومة وطنية..) وتعاقبت الأحداث بسرعة فقد أعلن الأمير إدريس استقلال برقة في الأول من يونيه 1949 الأمر الذي قاد إلى إعادة طرح المسألة الليبية بعد ستة أشهر من ذلك والاعتراف باستقلال ليبيا.

ختاما، أكرر وبكل بساطة وبحسب ما اطلعت عليه إن الأسباب الكامنة وراء المشروع كانت اقتصادية واستراتيجية بحتة وهي عدم رغبة بريطانيا في الإنفاق على طرابلس الغرب وحاجتها الملحة إلى بديل عن قواعدها في مصر، فلو كان الغرب يريد تقسيم ليبيا فما ذا الذي كان سيمنعه من ذلك؟ وما هو الخطر الذي ستمثله ليبيا الموحدة للغرب؟ لقد تنازلت إيطاليا عن مستعمراتها وأصبحت ليبيا تدعى المستعمرات الإيطالية السابقة ويطلق عليها أحيانا اصطلاح (الأراضي) ولم يكن بها نظام سياسي أو دولة ذات سيادة معترف بها قبل احتلال إيطاليا أو بعد طردها، كانت ليبيا والمستعمرات الإيطالية السابقة أرضا (لا مالك لها)، إن وضع المستعمرات الإيطالية السابقة بعد هزيمة إيطاليا مباشرة شجع مملكة مصر والسودان على الإعلان عن رغبتها في إعادة ترسيم حدودها الغربية مع برقة وضم ميناء مصوع إلى حدود السودان الجنوبية الشرقية وواصلت ذلك أثناء بحث القضية الليبية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

المصادر:
محاضر جلسات المؤتمر الوطني البرقاوي ( موقع الباكور الإلكتروني).
مختارات من وثائق الإدارتين البريطانيتين في برقة وطرابلس الغرب (كتاب الوسط).
صحيفة طرابلس الغرب 28/4/1949