Atwasat

"الفاشلون لن يفشلوا ليبيا"

محمد عقيلة العمامي الإثنين 20 أبريل 2020, 09:34 صباحا
محمد عقيلة العمامي

يوم 14/ 4/ 2020 نشرت (النيويورك تايمز) للكاتب David D. Kirkpatrick" مقالا مفصلا، ومليئا بألغام دست بعناية فائقة فوق أحداث وظفت للتمويه، لتبدو وكأنها حقائق. عنوان المقال: "بارك البيت الأبيض حربا في ليبيا وفازت بها روسيا".

والمقال بالتأكيد يعبر عن رأي صاحبه، وليس بالضرورة رأي البيت الأبيض، ومن دون الدخول في تفاصيل، لم تعد بخافية عن أحد ما تنفقه دول العالم المستقرة، فما بالك بالمتحاربة، من أموال لتحسين صورتها أمام جبروت الولايات المتحدة الأمريكية، وليس، أيضا، بخافٍ الصحف تقول عناوينها رأي البيت الأبيض الرسمي.

اختتم الكاتب مقاله بتصريح فتحي باشاغا وزير الداخلية في حكومة طرابلس، التي يعلم العالم أنها لم تعد قانونية لأنه لم يعد بها سوى ثلاثة من حوالي تسعة أعضاء. وباشاغا قال: "أن موسكو ترى ليبيا (دولة ضعيفة) وأن ذلك هو (حلم روسيا منذ الحرب العالمية الثانية)، حتى يكون لها أقدام على الأراضي الليبية"، ويبدو أنه لا يعلم أن "أقدام" روسيا لم تغب عن ليبيا طوال 42 سنة.

وكل ذلك بسبب نوايا، وقرار السيد المشير خليفة حفتر القائد العالم للجيش الوطني الليبي بالقضاء على المليشيات ليصبح لليبيا جيش واحد يحميها من نهبها الممنهج وتسلطها على الناس وحرياتهم، وحتى يتصدى لكل من يدعى أن ليبيا دولة فاشلة. والعالم كله يعرف ما قامت به المليشيات في السابق وما تقوم به الآن، وكان آخرها الصور التي ملأت الفضاء الإعلامي من بعد صدور المقال بيوم أو اثنين وهم يذبحون الأسرى، ويذلون رجال الشرطة والحرس البلدي الذين يحافظون على أمن الناس وصحتهم في مدينة الزاوية وصرمان التي يعلم العالم القوة العميقة التي تحكمها بالفعل.

الألغام مبعثرة من بداية المقال، مثلا جاء حرفيا "أن السيد حفتر لم يرغب في الحديث عن السلام". وهو لغم ألحقه بمعلومة أنه "جنرال سابق في الجيش الليبي، ثم عميل C.I.A" وبالطبع هذه مغالطة تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمي عملاءها، فلو كان عميلا بالفعل لما تجرأ على الإعلان عن ذلك ويضع نفسه كواشٍ عن أسرار جهاز له قوانين تحمى أسراره.

ثم يستمر المقال متهما قوات الجيش الليبي-التي يصر أن يسميها قوات حفتر- في تشريد الآلاف، وقطع النفط في حين أن العالم يعرف من شرد، وما زالت كذلك، مدينة كاملة. ويعلم من أعاد النفط إلى الجهات الرسمية من مليشيا عبثت به لدرجة أن العالم شاهد مندوب الأمم المتحدة ينحني أمام من تسلط عليه، ويعامله معاملة رئيس دولة.

ويرى المقال أن "روسيا هي الآن في وضع أفضل للسيطرة على ليبيا". وهي التي تروج للمشير خليفه حفتر "وزبائن آخرين مفضلين " وبالتالي لا أعتقد أنها تسمح لدولة تركيا أن تزعزع هذا الوضع.

ويصف الكاتب بخبث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بـ "ديكتاتوري – ترمب - المفضل"، متجاهلا حقيقة يعرفها العالم كله أن اهتمام ودعم مصر للجيش الليبي مرجعه العلاقات التاريخية الموغلة في القدم، والمصاهرة وعدد كبير من ليبيين أصبحوا مصريين ولكن مازالوا يرون أن ليبيا وطنهم أيضا، وفوق ذلك كله أمن مصر الاستراتيجي، ومصر تعرف جيدا أنها مستهدفة من بعض تنظيمات الإسلام الراديكالي، وقد يكون ذلك سبب حشو تلك الفقرة التي قال الكاتب فيها: "على الرغم من ذلك، وجد الزعيمان العربيان أذنًا متعاطفة من السيد بولتون، الذي أصبح مستشارًا للأمن القومي في ربيع عام 2018 وقاد سابقًا مركز أبحاث يمينية متطرفة معروفة بشن هجمات واسعة على الإسلام السياسي".

ويضيف الكاتب: "في اليوم التالي قال البيت الأبيض في بيان إن الرئيس اتصل بالسيد حفتر للإشادة بدوره الهام في مكافحة الإرهاب". ثم يجدها الكاتب فرصة ليضيف جملة يلغي فيها الهدف الذي من أجله تحرك الجيش ويشوهها بقوله: "أنه بعد يوم واحد من المكالمة، بدأت قوات حفتر في قصف الأحياء المدنية في طرابلس" وهذا لم يحدث لا في ذلك اليوم ولا بطوال الاقتتال كله.

ثم يحاول أن يجعل أفكاره تخرج عبر لسان غيره فيقول: "قال بيتر ميليت، السفير البريطاني في ليبيا حتى عام 2018، أن الأمر بدا "كما لو أن الأمريكيين كانوا يتبدلون- يقصد في قرارهم - بطريقة غير منطقية" منوها: "أن حكومة طرابلس كانت الشريك الليبي الرئيسي لجيش الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب" وأضاف أن إشادة الرئيس الأمريكي "أربكت وفاجأت المجتمع الدولي بدرجة مذهلة" ويقول بغرابة وتناقض، أن العقيد أحمد المسماري، المتحدث باسم السيد حفتر – متعمدا ألاّ يصفه بالصفة التي تقدمه بها منصات الإعلام كافة، وهي الناطق الرسمي للقوات الليبية المسلحة - لم يعلق على المكالمة مع السيد بولتون، لكنه قال: "إن القائد الليبي يقدر دعم الرئيس". وبالطبع لم يحدد لنا كيف كان يريد التعليق؟.

ثم يقرر على لسان الروس أنه "حتى قبل بدء الهجوم على طرابلس، خلص الروس إلى أنها ستكون كارثة على السيد حفتر". مثابرا ألاّ يذكر الجيش الليبي مطلقا، وكأن المشير خليفة حفتر هو شخصيا من يقوم بالقصف.

ثم يتحدث عن أمور استخباراتية روسية، مرتبطة مباشرة بالرئيس بوتن وكأنه، أي الكاتب، جزء منها، ويقول: "بعد اعتقال السيد مكسيم شوغالي، ومترجمة في طرابلس عثر رجال الأمن على تقرير في غرفته بالفندق أرسله فريقه إلى موسكو في مارس من العام الماضي.." وتبدو الحكاية كما لو أن هؤلاء الاستخباراتيين المهنيين الذين يقومون بعملهم داخل طرابلس، وكأنهم هواة يتركون تقاريرهم هكذا في متناول عمال التنظيف.

ويواصل الحديث عن الإمدادات الروسية والعملة الليبية التي طبعت وكأنه اكتشف أسرارا خطيرة، وهي التي يعرفها خفير فرع المصرف المركزي في الجنوب! ويذكر ولا يوضح سبب ذلك ولا حتى إجراءاتها التي تمت بعلم مصرف ليبيا المركزي.

ويعرج على صحة السيد المشير ومشاكله الصحية المتكررة، ويستمر في تفاصيل لا تهم أحد وإنما تهم الناس الذين أنقذهم من تسلط إرهابي كاد أن يقضي على بلادهم، وأن مدن الشرق استقرت وبدأت مؤشرات المجتمع المدني تتضح، وعادت سلطة الشرطة والجيش إلى شوارعها. وبات الإنسان آمنا في بيته.

و"يتَنَبَّأ".. السيد الكاتب أن قيادة المشير حفتر للبلاد ووصوله بها إلى استقرارها لن تجعله يثمن المجهودات الروسية ويرعى مصالحها بعد انتصاره". ثم يخلط الأوراق فيقول إن الخبراء والنشطاء الروس ينصحون أن يتحالف "بوتن" مع سيف الإسلام القذافي، الذي كان شريكا قديما لروسيا في عهد والده. وأن الكرملين ينصح بالاستعانة بمرتزقة مدفوعي الأجر، موالين لروسيا من السودان، ويستمر في خلط الأوراق ويتحدث عن اجتماعات في روسيا مع أنصار القذافي، متناسيا أنهم جزء من المشكلة وأيضا جزء من الحل، متجاهلا أن كثيرا منهم سفراء وأصحاب قرار في حكومة الوفاق.

ثم يختم مقالته أنه بمناسبة الذكرى السنوية لهجوم "حفتر!" على طرابلس، متعمدا مثل حكومة طرابلس ألاّ يقول الجيش، حثت الأمم المتحدة على وقف القتال ومواجهة وباء الفيروس كورونا المنتشر الآن في ليبيا ثم يخبرنا عن بيان العلامة وزير داخلية حكومة، تحركها أنقره، بأن حلم روسيا منذ الحرب العالمية الثانية "أن تكون ليبيا دولة ضعيفة".

ومع كل هذه المُهَاتَرَة لم يكتب كلمة واحدة عما تقوم به تركيا تحت سمع وبصر هيئة الأمم المتحدة والسفير الأمريكي، من قصف للمدنيين، برا وبحرا وجوا، وملء شوارع المنطقة الغربية بالمرتزقة السوريين والأتراك الذين باشروا بالفعل في السلب والنهب وذبح الرجال، من بعد النصر الذي أعلنته حكومة الوفاق.

تلك هي قراءتي للمقال المشبوه، وهذا ربطه:
https://www.nytimes.com/2020/04/14/world/middleeast/libya-russia-john-bolton.html