Atwasat

الليبيون والسخرية من فيروس «كورونا»

عبد السلام الزغيبي الأربعاء 08 أبريل 2020, 06:23 صباحا
عبد السلام الزغيبي

انتبه الفلاسفة القدماء إلى هذه الحقيقة البسيطة، وعرف الكثير منهم الإنسان بأنه «حيوان ضاحك»، وكان بوسعهم أن يعرفوه كذلك بأنه «حيوان يضحك».. وفي جميع الحالات يبدو الإنسان الباسم أقل قابلية للحرج في مواجهات الحياة. وهكذا فإن الضحك مرتبط ارتباطا كليا بالإنسان، إذا فالإنسان هو مادة الضحك وموضوعه، وهو كذلك موجهه وهدفه، فالإنسان هو الذي يضحك وهو الذي ينتج هذا الضحك.

وللنكات وظيفة اجتماعية أخرى مثل التواصل مع الناس وتحقيق التفاعل بين الأفراد والجماعات، والتحكم في سلوك الآخرين بالسخرية أو إزالة الخوف، ولنقد الأوضاع الاجتماعية، وفي نقل المعلومات باتجاه تحذير الناس وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتحديد أنماط السلوك المقبول، عبر النقد والسخرية والكشف عن العيوب الاجتماعية، وتعديل القرارات الخاطئة وتحسين الظروف السيئة.

وفي هذا الشأن لم يتخل الليبيون عن روح الفكاهة كما يفعل جيرانهم المصريون. لكنهم ابتكروا نكتا محلية خاصة بهم تعكس الثقافة الليبية. هذه النكت، لم تخل من الطرافة والسخرية، وانتشر الكثير من النكات الساخرة بعد ظهور وانتشار فيروس خطير أجبر الناس على المكوث في بيوتهم... «حبسة الحوش واعرة»...

ولا شك أن ما تبادله الليبيون في هواتفهم النقالة هي عبارة عن تعليقات و«قفشات» تعبر عن السخرية وبها نوع من الفكاهة، والفكاهة ليست شيئا سهلا كما نعرف، إنها شيء طريف، فليس من السهل تأليف النكت.

ومن المؤكد أن ابتكار النكتة يحتاج دون شك إلى موهبة خلاقة، تعرف كيف تتعامل مع الحدث بزوايا وأبعاد ودلالات ومضامين مختلفة، ومع أن الموضوع فعلا مخيف ومرعب، لكن كان هناك تنوع مجالات للضحك والسخرية والرسوم، وكانت السيادة للنكت السريعة الحراقة التي كانت بالنسبة لهؤلاء طريقة لتبديد المخاوف التي بدأت تخيم عليهم.

وهنا أمثلة عن تلك النكات التي انتشرت هذه الأيام على صفحات التواصل عند الليبيين:

شكل الفيروس مادة دسمة للسخرية في «فيسبوك». واجتهد العديد من مستخدميه الليبيين في تعداد الأسباب التي تفسر عدم ظهور الفيروس في البلاد ولماذا لن يظهر؟ في هذا السياق برر البعض ذلك بأن اللييبين شعب يعاني أصلا من مصائب أكبر من كورونا نفسها كالفقر والبطالة وضعف البنية التحتية الطبية، والحروب، وظواهر أخرى ستجعل الفيروس «لا يفكر» في الظهور في هذا البلد.

وبعد ظهور أولى الإصابات في مدينة طرابلس، ظهرت نكتة يتداولها الليبيون تقول إن «الفيروس تسرب لجسم أحد الليبيين فانتحر الكورونا بسبب الفقر والهم»، وغير ذلك من المشاكل الاجتماعية التي يعيشها.

وأظهر فيديو فيروس «كورونا» على شكل رجل يجري في الصحراء والليبي يعدو وراءه..

ونشر آخرون تعليقات طريفة عن «استعدادات» ليبيا لاستقبال الفيروس. منها مثلا صور لأعمال حفر قبور جماعية.

وقدم أحد مستخدمي «تويتر» نصيحة للذين أصابهم الفيروس ضمن وسم «كورونا_في_ليبيا»، تقوم على شرب الماء والعسل والليمون لمدة يومين. وفي اليوم الثالث «سيخرج الفيروس ليطلب العسل، فتضربه على رأسه حتى يموت». ويقول أحد المواطنين الليبيين: «من كترت قعادي وأكلي وشربي في الحوش حسيت روحي عضو مجلس نواب».

وفي نكتة أخرى متداولة: «قالك واحد يغسل في يده بالميه والصابون لمدة 17 ثانية، قالوله المفروض 20 ثانية باش يموت الفايروس يا راجل، قاللهم لا لا، خنقة الكلب ولا قتلته».

ووصف أحدهم المصاب بـ«كورونا» بمثل تاجر المخدرات «لما يشدوه، لازم يجيب جماعته كلهم».

‏ومن الطرائف بالغة السخرية من أوضاع الليبيين تحت الحجر، أن واحدا متزوجا قال: «من كثر قعدتي في الحوش نسمع في العويل يوشوشوا لامهم، يامي باتي يبي يعيش معانا ديما»..
وروى أحدهم قائلا: «عطست اليوم في الصيدلية... مشي اللي جنبي قالي: زمري..

استغربت وقلتله: مش كانت يرحمكم الله».

وفي واحد قال: «قعدت في الحوش نبي نطبق قرار حظر التجول.. المرا كل ما تخطم من جنبي تقول: غير آمتى ربي يفكنا من هالبلوه. قال: ماعرفتش تقصدني وإلا تقصد الكورونا». وفي نكتة من العيار الثقيل: «أن زوجة كانت تفتش في تليفون زوجها، شافت رقم مكتوب عليه كورونا اتصلت بالرقم رن عندها».

وفي منشور ظهر على صفحات «فيسبوك»، أنه بعد وصول أول حالة مصاب بفيروس كورونا إلى المستشفى في طرابلس.. سألوا الشايب المصاب، قالوله، كنك ما جيت كشفت من الأول.. قاللهم: هذا وين فضيت من الناس اللي ماشية وجايه عليا.. في الحوش.

وفي صورة متداولة ومنشورة على صفحات «فيسبوك»، تظهر صينيا لابسا جردا، ومعه اصينياتان لابساتان جرودا، والتعليق المصاحب للصورة يقول: «الصين لما سمعت ليبيا مافيهاش كورونا».. طبعا قبل حدوث أول إصابة بالفيروس في ليبيا. وفي منشور يقطر سخرية من أوضاعنا في ليبيا، «أن ليبي قاعد على فراش الموت من جراء إصابته بفيروس الكورونا، طلب من أولاده أن يكفنوه بالعلم الليبي عند دفنه.. قعدوا الأولاد يبكوا، للدرجة هضي تحب ليبيا يا بوي، قاللهم: لا بس بيش تعرف الملايكة إني جاي متعذب واتي»..

وفي منشور آخر وبصورة عاجل، خبر يقول: «الرئيس الأميركي ترامب في تصريح رسمي يقول: إذا استمرت ليبيا بدون كورونا سوف نقوم بنقل البيت الأبيض إلى الصابري شارع الخطوط».. وبعد أن أصدرت الجهات المسؤولة في ليبيا قرار منع التجول، نشر أحدهم منشورا مصورا على إحدى صفحات «فيسبوك»، يقول الإعلان: «نداء عاجل إلى كل الزوجات.. بما أن الوضع هو منع التجول، وهذا يعني أن الأزواج أسرى لديكم، وتنص اتفاقية جنيف، على حسن معاملة الأسرى، فرفقا بهم».

وفي منشور طريف آخر: «الله يرحم أيام الإيدز.. على الأقل كان ينتقل للشخص على حاجة تستاهل... مش عطسة». وبمناسبة التباعد الاجتماعي والخوف من العدوى حتى بين الإخوة، تقول نكتة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، أن «واحد اتصل على خوه، وقاله: نبي نجي نشرب معاك قهوة، شنو نجيب معايا، وكان رد الأخ: جيب معاك تقرير طبي..». ولمكافحة فيروس «كورونا» بالأكلات الشعبية التقليدية قدم أحدهم وصفا ناجعا لتقوية المناعة ضد الإنسان، وتتلخص في أكلة، تتضمن «الزميتة بزيت الزيتون والبصل» وهي وجبة تزيد المناعه وتقوى المريض، حسب رأيه.

وفي رسم كاريكاتير، نقرأ هذا التعليق الساخر «الله لا يربح الصين، أول مرة تبعث لنا شيء أصلي» باعتبار أن صناعاتهم دائما تحت المستوى. وشارك الشعر الشعبي الليبي بدوره في مهرجان الضحك والسخرية في أيام «كورونا»..
في شايب واجعته من عزوزه قال:

اللي كنت ما نخدم مغير عليها
وأن غبت يبقى بالها مشغول
اليوم مالكورونا خايفة نعديها
انجيها عزوزي أتبخني بديتول
وتسلم علي أقوانتي في يديها
عزوز ناسية طالع عليها أنعول
وكان قلت نقعد جنبها نحاكيها
مني تباعد أتقول شافت غول
وسواس صارلها الله يهديها
فالحوش بالبوطاس غير تجول
وتبدا اتخمم خوف باين فيها
في كل نشرة ياودود اتقول
تريد الحياة والموت ماتبيها
ونسيت الدنيا فانية وتزول
عيشة نكد تمت ومانبيها
يا الله رانا شايلين احمول
وهون عليها بلادنا واحميها
وصلي على شفيعنا الرسول.

وهكذا مع جود الخوف والهلع أو حتى الألم، ينفجر المواطن ضاحكا ومستخفا بكل شيء بما في ذلك الموت، في ظل انغلاق الأفق وانعدام الأمل في الحصول على حقوقه كمواطن. وهي ظاهرة صحية تدل على حيوية المجتمع وقدرته على تجاوز الخوف والإحباط وتعبيره السلمي عن إفلاس السلطة وتقصيرها في القيام بواجباتها. وهو سلاح يساعد على تخطي الأزمات، مهما بلغت شدتها؛ إذ تتحول أصعب المواقف الحياتية إلى نكتة تبعث على الابتسامة والضحك، أملا في تخفيف ضغوط الحياة.