Atwasat

كورونا الحرب!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 07 أبريل 2020, 06:55 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
وفاة المفكر و السياسي محمود جبريل، الشخصية الليبية البارزة، بفعل فيروس كورونا، ذكرتني بالآية الكريمة:
"إنكَ مَيّتٌ، وإنهُم ميتون".

هذه الآية، ما اخترت لأكثر من غلاف من جريدة "ميادين"، حيث الصورة لأحد الشهداء، من كانوا يُغتالون صبح مساء، كـ "عبد السلام المسماري" ومفتاح بوزيد، و"سلوى بوقعقيص" وغيرهم. ولقد كان الليبيون يقدمون الشهداء، منذ أول يوم لثورتهم 17 فبراير 2011م، لما خرجوا في مظاهرات سلمية، ووجهت بقوة السلاح، فالقمع المستشري قبل ذلكم بسنوات. وعمل "القذافي" بكل ما أوتي من قوة لتحويل الثورة لحرب أهلية، لم تضع أوزاراها حتى الساعة.

ليس ثمة حرب أهلية نظيفة، ولهذا عمل الديكتاتور على إشعالها، وكل حرب تتعدد مستوياتها ومراحلها، وكل مرحلة تصعيد للحرب، وانحراف عن أهداف الثورة بالضرورة، حتى تصل لمرحلة، تُعيد فيها إنتاج النظام، ما عملت على تقويضه، وتستعيد الحرب أساليب النظام، فالحال في ذي الساعة، صراع سافر على السلطة، ما تبرره الوسائل، فتكون الشعارات والدُفعات، تبريرا للوسائل ليس إلا، فتمويهاً للهدف.

العامل الرئيس في أية حرب أهلية، القوى الخارجية، حيث لا يكون ثمة طرف داخلي، قادر وفاعل على الحسم، ولهذا يستمد كل طرف، استمرار وجوده وفاعليته من قوة خارجية، خاصة وأن أهل البلاد، منهكون وقد استنفدوا قواهم، في عملية إسقاط النظام، ما شتتهم وأذهب ريحهم، وسلبهم التعقل والوحدة والحكمة، فجعلت منهم الحرب الأخوة الأعداء، وهذا الانشقاق وذاك الضعف الداخليين، يقويان العامل الخارجي.

هذه هي الحرب الأهلية، خاصة في عصر الدولة القومية، منذ الحرب الأهلية الفرنسية فالأميريكية والروسية، وحتى الأسبانية فاللبنانية واليوغسلافية، ثم الأفغانية والعراقية، فالفلسطينية والسورية وهلم، فليس ثمة حرب أهلية نظيفة. حيث استمرار الحرب ليس له مبرر، ولا نتائج غير فقدان الهدف الأول، فمن ثم اصطناع أهداف أخرى، غرضها إخفاء الصراع السافر على السلطة، ما وقوده في هذا الحال من الخارج، كما وضحنا.

2-
بحسب جريدة "ليبراسيون الفرنسية"، السبت 4 أبريل الجاري:"أنه في عام 2020، تلعب القوى الأجنبية دورًا أكثر أهمية على الأرض من الليبيين أنفسهم". حتى أن دولة كتركيا تبرر بدواعي تاريخية، تدخلها السافر في ليبيا، وكما في سوريا، يدخل بوتين في تنافس معها، وفي هذه الأجواء تستعيد الدولتان اللاتينيتان، إيطاليا وفرنسا، تداعكهما التاريخي حول نفوذهما في ليبيا، وهكذا بقية دول الجوار والإقليم البعيدة.

بات في هذا الحال، كل طرف يتهم الآخر، بأنه يستعين بالمرتزقة، مما يعني أن الليبيين تخلوا عن المشاركة، في هذه الحرب التي لا تنتهي، كما أن كل طرف يتهم الآخر، بأنه ممثل لنفوذ خارجي. وكل هذا يوكد، أن النتيجة الطبيعية لكل حرب داخلية، أن تتحول لحرب بالوكالة، وحرب لا نهاية لها، خاصة في العصر الأفغاني للحروب الأهلية، حيث حرب الأفغان تقارب العشرين سنة، دون أفق أو احتمال لنهايتها.

فجريدة "ليبراسيون الفرنسية ": "توكد أن المبادرة الدبلوماسية للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أخفقت بعدما أحضرت أطراف النزاع الليبي الأجنبية إلى برلين في 19 يناير الماضي، إذ من المسلم به أن القمة أسفرت عن التصويت على قرار رمزي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار في 13 فبراير، لكن في الواقع لم يتخل الرعاة الأجانب عن دعمهم لكلا الطرفين، فانتهك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، بمعرفة تامة وعلى مرأى من الجميع، فيما يتم تسليم المركبات المدرعة والذخيرة، ودفعات الأسلحة الآلية كل أسبوع عبر مينائي مصراتة وطرابلس، لتعزيز القوات الموالية، أو بمطارات برقة في شرق البلاد".

بهذه التفاصيل، يتضح أن الحرب الليبية، لا أفق لها، خاصة وأن جائحة الكورونا، لم تسفر إلا عن تأجيج هذه الحرب، وفي هذه الحالة، كل طرف يعتبر استمرار الحرب ضرورة، باعتبار أن الحرب الآن دفاع عن الوجود، وكل ينتهز الفرصة لتوكيد وجوده ليس إلا، وفي الختام ليس ثمة حسم لأي حرب أهلية، حيث ممكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، أو تقف فجاءة كما السكتة القلبية الغامضة المسببات، بمعنى أن الحرب تُمون من الخارج، وكذلك السلام، ما لا متى له، والعالم يغوص، في وحل حرب الكورونا.