Atwasat

بنوك للفيروسات وجراثيم بنوك

محمد عقيلة العمامي الإثنين 30 مارس 2020, 02:39 مساء
محمد عقيلة العمامي

 شركة «Reckitt Benckiser»، متعددة الجنسيات، تأسست سنة 1814 في بريطانيا، مجالها الصحة والنظافة. إنها الشركة التي تنتج الديتول بأنواعه، وأيضًا بضعة مواد في المجال نفسه، وبالمناسبة أحد مصانعها في سلطنة عمان، أما فرعها في الهند فقد أضاف مبلغًا وقدره 32 مليون جنيه إسترليني إلى صندوق تحسين الصحة والنظافة الصحية للجميع. والمبلغ خُصِّص للمساهمة في الحد من انتشار فيروس «Covid-19» أو الـ«كورونا»، مثلما تعارفنا عليه، في الهند. وبالطبع ستكون هذه القيمة مواد منتجة من الشركة. 

ولقد أصبحت هذه الشركة من زبائن أكبر بنوك الجراثيم في أميركا، منذ أن أسسته جمعيات علماء البكتريولوجي والباثولوجي في واشنطن سنة 1929 بمنحة من مؤسسة «روكفلر». ومنذ سنة 1950 صار بمقدور المحتاج أن يشتري أي جرثومة أو فيروس مستولد، طالما أوراقه سليمة، وأصبح زبائنها نحو مئة ألف زبون ويشترون سنويًّا أكثر من نصف مليون من الجراثيم، والفيروسات المسالمة والسامة، من مخزونها الذي يحوي أكثر من مئة ألف سلالة مختلفة.

أهمية هذه الجراثيم والفيروسات بالغة، وعلى الرغم من خطورتها فإن أهميتها لا تقدر بثمن، ولا غنى عنها للبشرية، فمن خلالها تعد العقاقير المضادة للجراثيم، والفيتامينات، والهرمونات الصناعية. ولا أعتقد أن جميع الناس يعرفون أهميتها في الصناعة، فمَن يتصور أنها مهمة في البحث عن البترول؟! ومنها تعد الخمائر اللازمة لتصنيع الخبز والمكرونة و الجعة، والنبيذ، والجبن.. أما على مستوى الأدوية والعقاقير فليس هناك معمل، في العالم، لصناعة الأدوية ولا مختبر علمي في أية جامعة من الجامعات لا يحتاج إلى خدمات هذا البنك الرهيب، الذي يحوي فيروس مرض «حمى الببغاء»، الذي ما مقداره نصف كوب لقادر على إبادة نصف الجنس البشري!

ومن عجيب الجراثيم أن شركة «شاسبفايزر» اكتشفت أن جرثومة بعينها لقادرة على تحويل السكر والنشادر إلى مادة أطلقوا عليها «ليزين»، وهو حمض أميني مهم للغذاء البشري، وأنهم إن خلطوا هذا الليزين بالقمح، يتحصلوا على طعام بروتيني يعادل «ساق» لحم ضاني من تلك التي يكرم بها شيوخنا في الميعاد!

والعلم يقول إن الجراثيم التي لا تتحصل على ما تحتاجه من الفيتامينات التي تحتاجها تصنعها بنفسها، ولعل من المفيد أن نعرف أن كل الفيتامينات التي نستخدمها في حياتنا تصنعها جيوش من هذه المخلوقات التي لا يزيد حجمها على واحد على ألف من السنتيمتر!

ومن هذه الجراثيم تصنع الأدوية ومواد التجميل والتنظيف، و99% مما نشاهده ملفوف في علب زاهية أنيقة، في الصيدليات ومحلات ومراكز التجميل هو من صناعة هذه الجراثيم والفيروسات، ونسبة كبيرة من الأمراض التي كانت قاتلة ومازالت كذلك لولا ما طوره وابتكره العلماء من هذه الجراثيم.

وبنوك الجراثيم هذه متعددة، لعل هذا الأميركي المعروف في واشنطن يعد أشهرها، وذاك الذي تحت إمرة الكرملين، والثالث في بريطانيا، الذي يسابق علماؤه الزمن لإيجاد علاج لفيروس الـ«كورونا»، الذي أصاب ملكتهم بريطانيا وأميرهم.

وفيما تعمل بنوك الجراثيم والفيروسات هذه الأيام للتصدي لهذا الفيروس، يعجز الرجال العرب عن فتل شواربهم بسبب انشغالهم في إعداد الكعك والبيتسا، التي لا تختمر عجينتها إلاّ بخميرة ينتجها فيروس لا أعرف اسمه !

علماء بنوك هذه الجراثيم يعملون ليل نهار وبكافة طاقتهم، لمجابهة هذا الوباء الذي يهدد العالم، وفيما يتساقط بعضهم من الإعياء، أو تغيبهم هذه الجراثيم نهائيًّا عن أطفالهم، تتنادى جراثيمنا وتتلاقى في الظلام ليتدارسوا كيف يطيرون إلى سماسرة هذا العالم المنهوك ليتعاقدوا على لقاحات وأدوية لإنقاذنا من هذه الجائحة، مقابل ربع دولار كعمولة عن كل لقاح، يا إلهي كم تتعب جراثيمنا من أجل ربع دولار فقط!