Atwasat

من فيروس كورونا إلى عالم جديد

نور الدين السيد الثلثي الأحد 29 مارس 2020, 03:37 مساء
نور الدين السيد الثلثي

التقدم الكبير في ميادين العلوم، والاتصالات والمعلومات، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبرى Big Data، حقق مكتسباتٍ ماديةً باهرةً نراها لدى قسم من البشر، إلا أن ذلك التقدّم يظلّ عاجزاً عن التنبؤ بالانهيارات المالية والكوارث البيئية والأوبئة العالمية وغيرها من مستجدات كبرى تبقى غير منظورة. ما أوتيَ الإنسان من العلم إلا قليلاً، وسيظلّ علمه - مهما عظُم - قليلا.

يشهد العالم منذ أواخر العام الماضي كارثة وبائية متمثلة في فيروس كورونا ومرض كوفيد 19. جاء الحدث من خارج دائرة التوقعات، ما أدّى بالصين، حيث كانت البداية، إلى إعطائه اهتماماً أقلَّ مما تفرضه خطورته لو أُدركت في حينها. في الولايات المتحدة قوبل الوباء في بدايته باستخفاف، تلته إجراءات بهدف التطويق وتخفيف الضغط على المرافق والإمدادات الطبية. الآن، أمام تهديد الانكماش الاقتصادي، تجري إعادة النظر، فالعام الحالي عام انتخابات لها ضروراتها! في المملكة المتحدة كان للمسار اتجاهٌ آخر بدأ بمواجهة في درجاتها الدنيا مع حديث عن استحضار ’مناعة القطيع‘، ومن ثم تحوّل إلى إجراءات تطويق صارمة.

أَغلقت الدول حدودَها والمدارسَ والجامعات والمكتبات والمسارح والمعارض والأسواق والمقاهي والمطاعم والشواطئ. أُلغيت المنافسات الرياضية والتجمعات من كل نوع. أصبحت الشوارع شبه خالية. أكثر الدول تقدماً تشهد عجزاً كبيراً في الطاقات الطبية وأقسام العناية ومستلزمات الاختبار. يجري تسريح عمالٍ وتقليص أعمال. أسعار البورصات تهوي. احتمالات ركود اقتصادي قد يطول، مهدِّداً أنظمةَ دولٍ واقتصاداتٍ وأمنَ مجتمعات.
رئيس الولايات المتحدة يعرض مليار دولار أمريكي على شركة ألمانية مقابل حصول الولايات المتحدة وحدها على اللقاح الذي تعمل الشركة على تطويره. شيوخ في الكونجرس الأمريكي، مطّلعون على التطورات المتوقعة وانعكاساتها، يبيعون أسهماً تحسُّباً للهبوط الحاد المتوقع لقيمتها في السوق. دولٌ تمنع تصدير معدات ومواد اختبار ووقاية طبية لجيرانها. ارتفاعٌ ملحوظ، في الولايات المتحدة مثلاً، في شراء الأسلحة النارية الشخصية تحوّطاً لما قد يحمله المستقبل. قبضة الحكومات تشتدّ من خلال الطوارئ والصلاحيات الاستثنائية، تصحبها سياساتٌ غيرُ مؤكَّدة النجاعة.

تأتي هذه الكارثة على وقع صعود تيارات قومية شعبوية إلى الحكم في عديد الدول، همّها تعظيم الامتيازات والثروات لأصحابها في الداخل، ومصالحها القومية على حساب الشعوب المستضعفة في الخارج. سيتفاقم الفقر وتتسع دائرته. ستطول قائمة الدول الفاشلة. ستنهار اقتصادات، سيتزعزع أمن مجتمعات، وتسقط أنظمة. عالمنا مقبل على احتمالاتٍ قد تهدّد استمرار نظام عالمي أُلِف التعامل معه وإن غاب فيه العدل وطغت سطوة المال والسلاح.

التحدّيات الكبرى الآتية في مواجهتنا نحن الليبيين، في طياتها فقرٌ ومرضٌ، واستمرار جهلٍ، وضياع الوطن بعد دمار الدولة. في هذا المفترق يجدر أن نتساءل عن غياب العقل في إدارة اختلافاتنا، عن حروبنا، وعن النهب الممنهج للمال العام من قِبل الجالسين على كراسي السلطة وحاملي السلاح. الأخطار حقيقية داهمة والوقت قصير.