Atwasat

المريض: بين مطرقة الفساد وسندان (كورونا)

جازية شعيتير الأحد 29 مارس 2020, 02:55 مساء
جازية شعيتير

مهنة الطب مهنة مقدسة، منظومتها الأخلاقية معقدة جدًا، فهي تجعل الطبيب أميناً على حقوق المريض كافة: حقه في الحياة، وفي السلامة الجسدية، إلا لأغراض علاجية، كما تضمن حقه في صون عرضه، وفي حرمة سره.

كما أنها تحمل على عاتق الطبيب أمانة خاصة مفادها؛ الحفاظ على ثقة المريض في شخص الطبيب باعتباره وليًا لأمره، وإن كانت ولاية مخصوصة النطاق نوعيًا، وزمانيًا، ومكانيًا. وتلزم أخلاقيات المهنة الطبية بأن تكون العلاقة بين المريض والطبيب موضوعية بدون حيادية إيجابية؛ "بالمحاباة أو الواسطة"، أو حيادية سلبية؛ "بالتمييز الظالم أو شبهة تعارض المصالح".

رسخت هذه المنظومة من خلال المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية وتضمنت في الوثائق الدستورية ومنظمة بقواعد قانونية.

حيث تؤكد لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "تحمي بوجه خاص... المرضى في المؤسسات التعليمية والطبية."

وقد نص الإعلان الدستوري المؤقت 2011 على حق المواطن في الرعاية الصحية في المادة 8 منه، كما نص على حرمة الحياة الخاصة في المادة 12 منه.

وبوجه خاص يُعد القانون رقم 17 لسنة 1986 بشأن المسؤولية الطبية الإطار القانوني الحامي لحقوق المريض في ليبيا، إضافةً طبعًا للقوانين العامة؛ كالقانون المدني وقانون العقوبات.
نسلط الضوء في هذا المقال، على بعض حقوق المرضى التي انتهكت في زمن فيروس (كورونا) بسبب فيروس الفساد في القطاع الصحي.

• الحق في الوصول إلى الخدمات الصحية
من بين الإجراءات التي اتخذت في مواجهة وباء (كورونا) لاحظنا أن كثيرًا من المستشفيات والعيادات، قد أغلقت أبوابها أمام المرضى باستثناء حالات الطوارئ الشديدة، مبررة ذلك بخشية العدوى، وهذا سلوك غير لائق مهنياً وإنسانياً، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار عديد الحالات كالولادة والأسنان والعيون والكُلى وغيرها ممن تحتاج لعناية طبية عاجلة ولكنها ليست مرتبطة بالجهاز التنفسي ولا بفيروس (كورونا)، وهو مسلك غير محظور قانونياً بصريح نص المادة 6 من قانون المسؤولية الطبية.

ويجب أن نكفل حق المريض في الوصول إلى الخدمات الصحية بمراعاة لحق الطبيب في العمل داخل بيئة آمنة تكفل قيامه بالواجب بدون أن نسبب في كارثة وبائية، لا قدر الله، وبالتالي يجب توفير المستلزمات الوقائية كافة، للكوادر الطبية والمساعدة لضمان عدم انتقال العدوى.

كما أنه من المستهجن جداً التعامل الصحي التمييزي بين الليبيين والمقيمين على الأراضي الليبية أيّاَ كانت جنسياتهم وأيّاَ كانت طريقة تواجدهم "هجرة لا شرعية أو نزوحا أو لجوءا"، حيث أن السماح لهم بالعلاج الكامل سيكون أفضل طريقة لحمايتنا جميعا من فايروس (كورونا).

• الحق في الخصوصية وحماية سرية معلوماته
من أهم المبادئ لأخلاقيات هذه المهنة هو مبدأ الحفاظ على خصوصية وأسرار المريض، حيث إن الحماية القانونية للمرضى المنصوص عليها في المادة 13 من قانون المسؤولية الطبية تمنع الأطباء من الكشف عن المعلومات الطبية للمرضى، وإلا تعرضوا للجزاء القانوني وفق نص المادة 236 عقوبات، باستثناء حالات معينة؛ ومنها وجوب الإبلاغ عن حالات قدّم إليها مساعدة طبية، وأشار ظاهر الحالة إلى وقوع جريمة، وكذلك واجب إدلاء الشهادة أمام المحكمة بوصفه خبيراً.

واقعياً رصد في ليبيا حالتين فقط إلى الآن؛ تأكدت إصابتها بفيروس (كورونا):

الحالة الأولى من داخل الإقليم الليبي:
رصدنا انتهاكًاً للحق في الخصوصية من خلال زيارة وزير الصحة بحكومة الوفاق لمستشفى طرابلس المركزي للاطمئنان على صحة المريض المصاب برفقة مدير عام المستشفى، تلك الزيارة التي سجلت وقائعها وبثت إعلامياً على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، حيث ظهر المريض بصورته، وصوته يطلب السماح معتذراً عن خطأ لم يرتكبه.

الحالة الثانية في خارج الإقليم الليبي:
رصدنا انتهاك للحق في الخصوصية من خلال تسريب رسالة من شؤون مكتب وزيرة الصحة في دولة الإقامة إلى مدير المستشفى المحجوز برعايته المركزة تؤكد إصابة المريض الليبي، مما اضطر ممثليه رسمياً للإعلان عن ذلك، ويرصد بشأن ردة الفعل الشعبية أنها متعاطفة، باستثناء رصد لبعض الخصوم السياسيين الذي عبروا عن شماتة غير مبررة وغير مقبولة!!

• الحق في الكرامة الإنسانية
هذا الحق يستلزم التعامل مع مريض (كورونا) والمريض المحتمل بكل لطف وبدون عنف أو إيذاء لفظي أو معنوي، وللأسف قد لاحظنا مصطلحات يواجه بها هذا المريض تضعه في خانة المجرم والمتهم ومنها: "اشتباه في إصابته بكورنا" أو "إخلاء سبيله بعد التأكد من سلامته"!!

وقد قيل مزاحاً: "العاطس برئ إلى أن تثبت كورنته!!"

لقد سمعنا جميعاً الحالة المرضية الليبية وهو يعتذر لمقدم الخدمة الصحية!! "سامحني يا وليدي". ترى لماذا يعتذر؟ لأن المجتمع بأسره تنمر عليه، أم لأن مقدم الخدمة الطبية قد تذمر أثناء تقديمه؟ ما يهمنا أنها جملة تنبئ عن وجود شعور بالذنب وهو شعور نفسي مؤذٍ للغاية وقد يعرقل الشفاء الجسدي.

يحظر على مقدم الخدمة الطبية أن يمارس التنمّر على المريض من خلال لومه على التقصير أو الإهمال في نشر العدوى أو من خلال نعته بألفاظ تمييزية جهوية أو قبلية أو دينية أو غير ذلك من أوجه التمييز المجحف في مكافحة هذا الفيروس، وإلا وجبت مساءلته القانونية.

وختامـــــًا

• علينا أن نؤكد أن المريض مستهلك الخدمة الصحية يتمتع بحقوق المستهلك كافة، بما فيها الحق في رفع الدعوى القضائية عن كل ما من شأنه الإخلال بحقوقه والإضرار بها.

• وجوب تمكين القوى الفاعلة الأخرى ومن أمثلتها ضحايا الانتهاكات، ومنظمات حقوق المرضى، ومنظمات حقوق الإنسان الأكثر اتساعاً، والمنظومة الدولية لحماية حقوق الإنسان، بحيث يمكنها التصدي للانتهاكات التي تحدث بمناسبة تقديم الخدمة الصحية للحيلولة دون وقوع المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة في مجال الرعاية الصحية.

• كما يتعين تطوير وتقوية نظام الرقابة الداخلية والخارجية لضمان آليات محاسبة أكثر قوة، بصورة تمكّن من مواجهة السياسات الصحية الحكومية المنتهكة لحقوق المرضى.