Atwasat

... وعلى الأرض السلام

أحمد الفيتوري الأربعاء 25 مارس 2020, 12:13 مساء
أحمد الفيتوري

[كل شيء سيمر بسرعة/ ستعود باصات النقل إلى الساحات/ يمر الموظفون والحمالون صباحا/ متذمرين من الزحام المروري/ ستمحو الأمطار/ ما رسمه الحالمون على الجدران/ وتقوم البلدية/ برفع الصور واللافتات/ ستفتح الجسور/ على مصارعها من جديد/ وعندما يعود كل شيء إلى مكانه/ على جانبي الطريق/ بعد أن يغسل عمال النظافة/ الدم من الأرض/ سيذهب الجميع إلى التسوق/ القتلة إلى محال المعدات العسكرية/ الشهداء إلى عربات الملابس المستعملة/ والأمهات إلى المقابر – شعر: منار المدني]

قيل لجحا متى ينتهى العالم؟
قال ببساطة: عندما أموت.

الحقيقة الفادحة، التى تجتاح العالم، أن الجائحة تهدد الوجود البشرى، وعلى ذلك فكل شيء يهون، هذا التهديد يوضح، أن نهاية العالم بنهاية الإنسان، صدق جحا فيما قال. عقد من الزمان تقريبا، والأفظع نصف قرن، والليبيون يموتون، في حروب لا تنتهى، متتالية كما الديمنو، فلم يعرف الليبيون، خلال نصف القرن الماضى الحياة.

الآن الكورونا، يدق باب ليبيا، بكل يد مضرجة، بدل أن يدق الليبيون بها باب الحرية، العقد ما مضى من عمرهم، وُرطُوا في حرب، وموت متسلسل، يدعي قادته أنه فداء الوطن، أو "الدولة المدنية"، وحتى بعد تقاعس شباب ليبيا، عن هذه المهمة التاريخية!، تم استيراد "مرتزقة" جلهم من الإرهابيين، لإنجاز تلكم المهة التاريخية.

شباب ليبيا، أدركوا أخيرا، أن كل ما يزيد عن حده، ينقلب إلى ضده، أدركوا أن التمادي في الموت، من أجل الغد المنشود، موت اليوم، على أي حال دون جدوى، وهذه النهاية كانت نتيجة، لكل الحروب الأهلية، الماضية منها والحالية، ما تأكل الأخضر واليابس، ويموت الشباب وقودها، كما يموت قادتها، فالمشهد الختام، القبول بما تم رفضه في البدء.

الآن الكورونا تبدو كمن، ربط الجرس في عنق القط، الكورونا، ما هي رصاصة طائشة، مجهولة الماهية والمصدر، تصيب القصر بما فيه، تصيب العروش المشيدة، تقتل القاصى والداني، الكورونا الارهاب الأكبر، يجتاح كل شيء، ما ذّكر الليبيين، بأنهم بشر كالبشر، يستحقون الحياة قبل، وأن السبيل إلى هذه الحياة، بات مهددا، بما لا يُبقي ولا يذر، بالفناء.

علّ هذا ما توضح، في الاصطفاف والانضباط الجمعي، من أغلب الليبيين، ضد الكورونا، وبمبادرات فردية، ما بفعلها لا ترتكن، إلى ما يسمى بالدولة الليبية، المغيبة، المسبية منذ انقلاب سبتمبر 1969م، ما حمل قائده مفهوم "اللادوله"، فعمل من أجل تطبيقه، حيث يحصد الليبيون نتائجه الساعة، وهذه المواجهة، توجه إلى الحياة، ورفض للحرب، فقتال من أجل السلام، ما المحافظة عليه، أصعب من نيله.

قبل الكورونا، كانت الجائحة/ الإرهاب، قد اجتاحت كل المدن الليبية، منذ أعلن القذافي مطاردة الليبيين، زنقة زنقة، شارع شارع، حتى تدمير المطارات والطائرات، فالمدن في شرق البلاد وجنوبها، لقد عاش الليبيون معاناة شاقة، في حرب أهلية، وانتشر بينهم وباؤها: الإرهاب، ما الساعة يكتمل بوباء فيروس، فيروس لا يُرى، ولا يعرف كُنهه، يحاصر البلاد من دول الجوار، ومن الإقليمي والدولي، وكأنما الحرب الآن وهنا، تشمل الليبيين وتأتيهم من وراء الحدود، مهددة وشعارها "الزم بيتك"، فأي بيت هذا، ما تلزم الكورونا العودة إليه، إذا كان البيت هو الخطر؟... الكورونا الآن، أوجبت الهدنة، ما توجب التقدم نحو، الخطوة الأوجب، خوض حرب السلام.

وفي هذه اللحظة، جعلت الكورونا شعار الجميع: ما لا يُطال كله، لا يُترك جله، فحظر التجوال مثلا، مجرد حالة دفاع، حيث جرام وقاية، أفضل من قنطار علاج، وهذا الفعل السلبي، الإيجابي من حيث توفره، فحتى الساعة البشرية ابنة، المُستطاع إليه سبيلا، ومن هذا كل ما مستطاع من أجل وضع أس لسلام دائم، يجب فعلهُ دون تردد، ومن كل طرف، وفي أي مجال ومكان وزمان، لإعادة تمتين الأواصر، القاعدة التي كشفت الكورونا عنها، ما يستوعب العمل، من كل، وبكل يد مضرجة، دق باب السلام، دون تقليل من أي خطوة في ذا الاتجاه، وبالعودة للملتقيات والاجتماعات السابقة، وخوض الحوارات بين كل الأطراف، والسبيل إلى ذلك الدوائر المغلقة، ما تُتيح الصراحة والوضوح، وتُقلل من ردود أفعال اللقاء المباشر.

لولا الانترنت، لكانت جائحة الكورونا، أشد بأسا، فلنعتمده بساط السلام، عبر الانترنت نتحاور، فنتداول الأفكار، ونضع المقترحات الممكنة، كل بما يستطيع إليه سبيلا، عودة الروح إلى الليبيين، هي السبيل إلى السلام، ما جعلت من الكورونا، الممكن الوحيد والأخير، ورُبّ ضارة نافعة.