Atwasat

الفوضوية الموازية

نورالدين خليفة النمر الأحد 22 مارس 2020, 11:22 صباحا
نورالدين خليفة النمر

يصنف القانون الدولي النزاعات المسلحة في مستويين: ـ الحالة المعروفة باسم وضع التمرد (Insurgency) التي يتم فيها تمرد ضد الحكومة دون السيطرة على إقليم ودون وجود جيش منظم يطبق قواعد الحرب وأعرافها. ويكيف قانونياً بإخضاعه للتشريع الوطني بما في ذلك القانون الجنائي الأهلي. ـ والحالة الناجمة عن تطور الصراع حيث يؤسس المسلحون المتمردون جيشا نظاميا ويمارسون سيطرة فعلية على إقليم ما، فتتم معاملتهم كمحاربين ملزمين بقواعد وأعراف الحرب بشكل مستقل عن الحكومة المعترف بها. وهم بهذا مسؤولون عن حماية حقوق الإنسان والتعامل بحسب المبادئ الإنسانية والالتزامات الدولية المعروفة في مثل هذه الحالات.

هذا التكييف المتبع من قبل القانون الدولي،لايمكن تطبيقه على الانقسامية الليبية، التي طرأت بعد انتخاب مجلس النواب الليبي في 25 يونيو 2014 وإلغاء المحكمة العليا في طرابلس التعديل الدستوري الذي نتج عنه قانون الانتخابات. وهو مالم يأبه له مجلس النواب الليبي الذي نقل مقرّه إلى مدينة طبرق في الشرق حائزاً على الاعتراف من طرف المجتمع الدولي.

بهذه الشرعيته الانتخابية وافق مجلس النواب على الحكومة الليبية المؤقتة في 22 سبتمبر 2014. فيما أعلنتها في 6 نوفمبر 2014 (الدائرة الدستورية) في المحكمة العليا الليبية في طرابلس أنها "غير دستورية"وفي 24 فبراير2015 صوت مجلس النواب في جلسة مغلقة حضرها 80 عضواً لصالح تعديل قانون الجيش بما يسمح باستحداث منصب قائد عام للجيش الليبي، وبحسب التعديل الجديد فإن القائد الأعلى للجيش الليبي الذي مثل وظيفته رئيس مجلس النواب قام بتسمية قائد "عملية الكرامة" في بنغازي القائد العام للجيش الليبي والذي تولى بدوره في زيارة يتيمة أداء اليمين الدستوري أمام البرلمان دون أن يكون له حق الاعتراض عليه. وعلى الأثر دعا آنذاك وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة، المجتمع الدولي إلى مد الجيش بالسلاح ودعمه في مكافحة الإرهاب.

نظر المجتمع الدولي لهذه الخطوة المتعلّقة بالجيش بأن تكون غطاءً سياسياً لتوفير الأرضية القانونية للعمل العسكري لمواجهة حركة التمرّد متعددة الأطراف في كل ليبيا، وهي ماستُعرف فيما بعد بالميليشيات الدينية والجهوية والقبائلية. لكن لم تضع في الاعتبار أن الجيش هو ذاته يضمر في إهابه البنية الميليشاوية ذاتها بمكونيها القبائلي والديني السلفي.

اتفاق الصخيرات الذي وقع عليه أعضاءٌ من مجلس النواب في الشرق الليبي والمؤتمر الوطني في الغرب الليبي، تضمن المادة الثامنة من الأحكام الإضافية التي تنص حسب ما تُعورف عليه في أنظمة الحكم المدنية على انتقال جميع صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية المنصوص عليها في القوانين والتشريعات النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء عند توقيع الاتفاق. وإزاء رفض قائد مُسمى الجيش الليبي الانضواء تحت حكومة الوفاق التي نتجت عن الاتفاق، أقر مجلس النواب الليبي تعديل المادة الثامنة في شهر اكتوبر 2017 . لكن قائد مُسمى الجيش الليبي تحفظ على التعديل البرلماني، مُدعياً أن المادة المذكورة في صميمها تستهدف الجيش الوطني ورموزه وقياداته وتساوي بينه وبين المليشيات. مجريات المعارك بين مسمى الجيش، ومن صنفهم بالميليشات الإرهابية، وسيطرته على منابع النفط وموانيه في خليج السدرة، وافتكاكها من الميليشات الحرابية، أعطيا مسمى الجيش سلطة أمر واقع موازية للبرلمان المنقسم على نفسه والعاطل عن العمل، بل مهيمن عليه، مفتكة صلاحياته في الداخل وفي الخارج الذي تعامل معه طرفاً سياسياً مساوياً لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق التي منحها المجتمع الدولي اعترافه بحيازة مقعد ليبيا في منظمة الأمم المتحدة والبعثات الدولية التابعة لها.

في حربه على طرابلس، اضطر مسمى الجيش أن يضيف إلى بنيته الميليشاوية، الجهويات، والقبائليات المحيطة بالعاصمة والزبونة للدكتاتورية المنهارة بالثورة الشعبية. بل نصب على كتائبها قادة عسكريين من بواقي الجيش المنهار عام 2011،. بينما الحكومة المؤقتة، التي هي بمثابة هيئة لتصريف الخدمات الإدارية في الشرق الليبي الخاضع لسلطة مُسمى الجيش، تجرأت على أن تعين لهذه البؤر القبلية المضادة التي تقع في الغرب الليبي عمداء بلديات ورؤساء مجالس محلية أو اجتماعية.

الخبراء في شؤون الأمم المتحدة، غالباً ما أشاروا إلى ضعف بيانات مجلس الأمن، إزاء الكيانات الموازية لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا. وعللوا التهاون إلى توازن القوى داخل مجلس الأمن واحتمال اعتراض بعض أعضائه كفرنسا وروسيا على صيغة صدور قرار حاسم في هذا الشأن الليبي المرتبك في سبتمبر 2019. ولكن المجلس لا يستطيع الخروج على قراراته كالقرار رقم 2259 الذي أرسى شرعية حكومة الوفاق بعد اتفاق الصخيرات عام 2015، حتى يكون منطقيا مع وظيفته في التعامل مع الانقساميات والنزاعات المحلية والحروب الأهلية بمنعه للكيانات الموازية.