Atwasat

كورونا، السلامة لكم، السلام عليكم

أحمد الفيتوري الإثنين 16 مارس 2020, 02:23 مساء
أحمد الفيتوري

[كل ما في الأمر، أننا عاطفيون، والحياة عقلانية...]
كتبتُ خلال الأسبوع الماضى، مقالة عن وباء، الحرب التي لا تنتهي، وذَكرتُ بنموذج ذلك، الحرب الأهلية الإفغانية، التى اندلعت عام 1978م، ولم تنته، وأن كثيرا ممن كانوا قادة، في هكذا حرب، غادروا الحياة، وحربهم لم تنته بعد. وأشرتُ أن اليوم، يعم وباء الكورونا المستجد، ما طال بالوفاة مسئولين عدة، وهو يحصد البشر حصدا، وهكذا الموت أمسى في عالم اليوم، مدسوسا في فيروس، في جائحة لا تعرف حدا ولا حدود. وواضح وجلي، أن المشترك بين الوبائين، رغم الفروق، قوي حتى المأساة، إنه الموت ما يهدد البشرية، دون طائل في المنظور القريب، وحتى الانتصار في النهاية، لا يكرس الحياة، بل ما عقب الوباء.

هكذا ليبيا قبل ذاكم، تورطت في حرب أهلية، منذ فبراير 2011م، وغادر الحياة، كثير ممن ورط البلاد، في هذه الحرب، وعلى رأسهم العقيد معمر القذافي. والفصل الأخير في هذه الحرب الأهلية، حرب طرابلس، ما أيام وتُنهي عامها الأول، قد ورطت البلاد، في تدخلات خارجية سافرة، فبعد عجزها عن تجنيد الليبيين لأتونها، تم استيراد مرتزقة، وإرهابيين معروفين.

وفي الأيام الأخيرة، من العام الأول، للفصل الأخير، في هكذا حرب، يدق الأبواب، بكل يد مضرجة، وباء الموت، المتخفي في فيروس، يدعى الكورونا، و لا حول ولا قوة للبلاد، ليس على مجابهته في الحرب فحسب، بل حتى قبل هذه الحرب، مما يعني أن الكورونا، سيخوض حربه دون مقاومة, خاصة وأن كل العالم، يغوص في مستنقع الوباء، وعليه فكل الأطراف الإقليمية والدولية، ما تهتم بالشأن الليبي، مضطرة للعمل تحت المثل الليبي، "الحرة أول ما تزرب تزرب بيتها". فكل يخوض حربا ضد فيروس، ما لا يُرى ولا يُعرف كُنهه، وحتى مختبرات العظماء، عاجزة عن معرفة العدو، معرفة شافية، وبالتالي مواجهته، مما جعلهُ يتعاظم، ويفعل في البشرية والكرة الأرضية، ما لم يحدث قبل. فالفيروس كورونا، يُؤسس لتاريخ آخر، وإذا كان الليبيون، قد سبق وأرخوا بأعوام الأوبئة القديمة، فهذه المرة ليست ككل مرة، حينما كان الطاعون، مثلا، وباء قوميا.

طاعون، ما بعد بعد الحداثة، طاعون عولمة، في عصر سبراني، لا ينفع معه غلق الأبواب، وهو ليس درسا نظريا، يمنح للقادة والخبراء، لحظة استثنائية، لتأمل اللحظة والحالة. فالطبابة الوقائية للدفاع عن الحياة، تجنح للسلم والارتكان في البيوت، في حالة طواريء قصوى وقاسية، فأعلان لمنع التجول، وكأنه بوق حرب، أن لا سلامة إلا في السلم، وأن الحرب التي لا تنتهي، تنتهي غصبا، بحرب كبرى، تخوضها البشرية كى لا تفنى.

الكورونا يعلق الجرس، أن الفترة السالفة، ما مسها وباء أفغاني، عُرف بالحروب التي لا تنتهي، جرس يَجُبُ ما قبله، بأن النصر يتحقق بالبقاء، بالذوذ عن الحياة، وهو فعل عاقل معقول، يغرسه الكورونا في أجسادنا، وليس كاللحظة هذه لتجاوز العقبات، وقد جاءت العاقبة الكبرى، ككارثة لا تحتمل، تسفي الأخضر واليابس. وبلاد في حرب أهلية كليبيا، يجتاحها حتف النفوس، الحتف الأكبر، يجعل وبائها، حربها التي لا تنتهي، من لزوم ما يلزم، مجابهتها وخوضها بالسياسة، خوضها بالسلام الأصعب والمحتمل، فحرب السلام التي لا غيرها، ما يجب أن تخاض الساعة بكل روية وحكمة.

الكورونا، ليس الفرصة الأخيرة والوحيدة، الكورونا الحرب التي تخاض ضد الجميع، دون تحديد زمان ولا مكان، دون أي دفعات ممكنة، ولأنها كذلك، أي حرب ضد الجميع، فلا طريقة الساعة غير حرب السلام لمجابهتها، وأن ضغط الكورونا قد أزاح ضغوطات أخر كثر، فاليوم بالمستطاع، ما لم يكن بالمستطاع إليه سبيلا، فالكورونا سيطرد عن ليبيا، مصائب أخر كثر، حيث اللا جدوى الساعة، هي حصاد المعركة، التي تخاض في البلاد، وإذا تقديم التنازلات صار غصبا، ونصرا، لأنه الفوز في حرب الكورونا، ما يخوضها من شاء ومن أبى.
إذا كانت المعارك، تخاض للفوز، فالمعركة الأخيرة الآن وليس غدا، البدء في حرب السلام، وهكذا حرب في زمن الكورونا، حرب حياة لا استسلام فيها، القوي فقط من بمستطاعه خوضها، والشجاع من يمارسها، لأنها أولا وأخير، تعنى أن نكون أو لا نكون. فالطبيعة والأقدار، جعلت من فيروس يتحكم في المصائر، على مستوى كل البشرية، والحكمة الإلهية ما تُعجز البشر، وتعيد الحكمة لهم بالكارثة، أو كما قال:

[المتصوف الكندي إريك باريه، الذي يعيش في كشمير: نحتاج إلى الكوارث كي نستيقظ.]