Atwasat

البرلمانية الليبية المخطوفة

نورالدين خليفة النمر الأحد 15 مارس 2020, 12:34 مساء
نورالدين خليفة النمر

انقسامية شرق ليبيا عن غربها، أخفتت حتى أسكتته صوت الحقوقية الليبية، وبالذات النسوية ـ ليس بمعنى Feminism ـ التي سبّقت الثورة الليبية في 17 فبراير 2011 ظاهرة الوقفات الاحتجاجية لأمهات ضحايا سجن أبوسليم في مدينة بنغازي، حيث وصل الأمر اليوم إلى حالة من السكوت المتواطئ، إزاء السلطة التي تجاوزت التعدّي على حقوق المواطن في التعبير عن رأيه وموقفه فطالت المسؤول السياسي الذي تُحتِّم عليه ممثليته للمواطنين الذين انتخبوه في البرلمان أن يعبر معنوياً عن مطالبهم أو مواقفهم، النموذج الأبرز عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة، التي أثيرت في ظل الصمت الليبي، قضية اختطافها، وإخفائها مجدداً، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة من قبل رؤساء بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا ورئيس بعثة كندا، وقد دعوا السلطة المسيطرة على شرق ليبيا للإفراج الفوري عنها وتحمل المسؤولية بالتحقيق في عملية خطفها في مدينة بنغازي الخاضعة ضمنباً لسلطة مسمى الجيش الليبي وقيادته المعينة من برلمان طبرق. كما عبروا، عن إدانتهم الشديدة لجميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات في ليبيا، مطالبين بمحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات ضدهن.

قوبلت المطالبة الدولية بصمت من عموم الليبيين، ومن رئاسة البرلمان المتواطئة ضد عضوته المخطوفة، وبإهمال من مسمى قيادة الجيش الملتزمة بالتعريف القانوني للجيش، بإحلال الأمن في المناطق المسيطر عليها، ولم يتناولها كُتاب الرأي في وسائل الإعلام الليبية المحدودة، التي يتوجب عليها عرض مثل هذه المطالبة في صورة خبر. فيلزمها توخي الحيادية أن تنقل البيان بالترتيب الذي صيغ به. أما تواطؤها فيكون بتغيير الترتيب بعرض خاتمة البيان في بداية الخبر. ففي التقرير الصحفي الذي تناول البيان نلاحظ قلباً لمنطق القياس. فيحلل قانون التعميم تفسير المحدود بملاحظة الشامل فتبتدى الصياغة المُحوّرة بالإشارة للأدوار التي تقوم بها النساء الليبيات رائدات الأعمال والأكاديميات والموظفات والعاملات والتنويه عن المشاكل التي يتعرض لها عدد 200 ألف امرأة و فتاة نزحن بسبب النزاعات، وحوالي 18 ألف امرأة وفتاة مسجلات كلاجئات وطالبات لجوء بحاجة إلى الحماية. وهنا تختفي الواقعة الجنائية المحددة بخطف نائبة برلمانية، وإخفائها القسري، في حالات عامة تشمل اضطرار النساء للجوء والنزوح في ظرف الحرب العام الذي يصعب تحدّيد فاعله ومسببه في النزاعات والحروب الأهليية..

يقوم التقرير الصحفي بعرض الحالة المفردة في واقعة الخطف المتعلّقة بالنائبة سرقيوة التي خصها بيان البعثات الدولية بالتنويه بمصيرها الغامض. على قياس الشبه أو المماثلة، ولكن التواطؤ الثاني يكون بقلب العلّة في الاستدلال بالبرهنة على ماينبغي البرهان عليه بإخفاء مخالفته للمثال وإبانة مشابهته. فتشابه واقعة خطف وإخفاء النائبة سرقيوة بالواقعة الجنائية المثبتة بقتل عضوة المجلس الانتقالي الليبي 2011 غير المنتخب سلوى بوقعيقيص التي كانت تشغل حتى اغتيالها منصب نائب رئيس الهيئة التحضيرية للحوار الوطني الذي كانت ستشرف عليه الحكومة الليبية وقتها لإجراء مصالحة وطنية شاملة لم تتحقق حتى اليوم.

المطالبة الدولية بالإفصاح عن مصير النائبة سرقيوة المخطوفة من بيتها في مدينة بنغازي في 17 يوليو 2019 تحت يدها ما يشكل الاعتراف بالمسؤولية ماصرّح به وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة، ومقرّها الرسمي مدينة البيضاء بشرق ليبيا والتي تنضوي في حماية مُسمي الجيش الليبي. ففي رده على حادثة اختطاف سرقيوة، أكد أن العملية: "حادثة إرهابية قامت بها مجموعة متشددة قد تكون تسللت إلى بنغازي". وأوضح للصحافيين أن قوات الشرطة والدفاع المدني تعرضت لمقاومة مسلحة من قبل المجموعة المسلحة أمام بيت النائبة المخطوفة" وفي معرض تعليقه على كتابة عبارات منسوبة لـ "كتيبة أولياء الدم" على المنزل، استبعد تصديقها ونسبتها إلى مسمي الجيش الليبي والشباب المساند، دون تسمية الجماعة المدخلية المتشددة، التي تحوم حولها شبهة الخطف. مستثنياً من قاتلوا الإرهاب أن يرتكبوا جريمة الخطف المبيّنة في الواقعة". وأكد من جهته أن التحقيقات في ملابسات الحادثة ما تزال جارية بمتابعة خاصة من مدير أمن بنغازي وسيتم الإفصاح عنها فور الانتهاء من التحقيق وإقفال ملف الجريمة بالكامل".

بيان بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا أكّد على حيازة أعضاء البرلمان حصانة قانونية ضرورية لحماية المبادئ الديمقراطية والحريات. لذلك فإن استهداف عضو منتخب هو اعتداء على الأسس الديمقراطية للدولة. وفي حالة النائبة البرلمانية سرقيوة يشكل محاولة واضحة لإسكات صوتها، ورسالة ترهيب عموماً إلى المسؤولين المنتخبين للحد من حقهم في التعبير عن آرائهم بحرية. وخصوصاً، ترويع النساء والعضوات الأخريات، وثنيهنّ عن المشاركة في الحياة السياسية. وبالجملة، إن العنف ضد النساء المنخرطات في العمل السياسي سواء بالاعتداء البدني أو الاختطاف أو عبر حملات التشويه وغيرها من المضايقات على أساس النوع الاجتماعي تعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.

عندما نعبر بالمنطق "كل الناس ميتون، وسقراط إنسان، فسقراط ميت" فإننا لانصادر على المطلوب، بل نفترض قياساً يكون استقراءً، ليست نتيجته مستنبطة فقط من مقدمته الكبرى. ولكن مكتسبة وفقاً لحقيقة مفادها، كل الناس ميتون. وهنا القياس مختلف عن الاستنتاج بالمشابهة أو المماثلة الوارد في منطق الخطاب الذي لم يكتف بإرباك منطق الترتيب في بيان المبعوثية الأوروبية والكندية، بل عمّم الحالة بأن يستخرج جوهر مفهوم على أساس تحليله من أوجه التشابه للعديد من الكائنات المنفصلة. فلفظ حيوان هو للطائر والسمك والزواحف، ولفظ إنسان يتجاوز الأعراق والقوميات، ولفظ مواطن ليبي يساوي بين عضوة نواب مخطوفة وبين 200 ألف امرأة ليبية نازحة، و 18 ألف امرأة طالبة للجوء. فالقياس في منطق خطاب التعميم تم قلبه بإظهار المشابهة بل المماثلة واستبعاد المخالفة.

الأخطر ماصوره يوجين يونسكو بدور المنطقي في مسرحيته "الكركدن" يُعلِم رجلا مُسنا، فيُشوه له القياس «syllogisme» للمعادلة الشهيرة باسم سقراط :"الإنسان ميت، وبما أن سقراط إنسان، إذن سقراط ميت" فيحوّله إلى قياس مُزَيَّف: "كل القطط موتى، وسقراط ميت، إذن سقراط قطة".