Atwasat

استئذان بالانصراف

نورالدين خليفة النمر الأحد 08 مارس 2020, 02:16 مساء
نورالدين خليفة النمر

عقبت الأمم المتحدة، بأن تركيزها الرئيسي بعد استقالة مبعوثها إلى ليبيا على ألا تحدث نكسة في جهود إيجاد تسوية سلمية للأزمة الليبية. وهذا يعني استبعاد المحور السياسي، الذي ما انفك غسان سلامة يقحمه موازياً للمسارين الاقتصادي المرتبط بالحرب نتيجة إيقاف تصدير النفط الليبي مهمّشاً تبعاته بدلالة المكان المختار للنقاش فيه، والعسكري المُلّح بمتابعة الأطر الدولية الناجعة لكّف الدول المتوّرطة بإمداد أطراف النزاع بالسلاح. وإرباك سير عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5 ) بخصوص الوصول إلى نتائج ميدانية، تُضمّن في أجندة الحوار السياسي وتكفل التطبيق الفعّال للقرار رقم 2510 الصادر عن مجلس الأمن في 19 فبراير 2020 ، الذي اعتمد مُخرج مؤتمر برلين بوقف إطلاق النار في الحرب على العاصمة الليبية طرابلس.

لم يفاجئ المراقبين اعتراف الأمم المتحدة باستقالة مبعوثها في ليبيا. لعل المفاجأة في استقالة سلامة كانت في توقيتها وليس في حصولها، فقد دار الحديث عن احتمال استقالته في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك سابقاً، لكن أعضاء مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة رغبوا باستمراره في مهمته، على الرغم من عدم تحقيقه خطوات ملموسة تدعم نجاحه في مؤتمر برلين، لأن حقائق مُعيقة على الأرض كانت تسبقه بعشر خطوات كلما تقدم هو خطوة. ولكن التكهنات أخيراً حُسمت في كلمات مقتضبة أعلن من خلالها المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش عن استقالة المبعوث الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة. وأوضح أن الأمين العام كانت له دوما الثقة الكاملة في عمله. وبعد استقالته سيناقش معه سبل انتقال سلس بغية الحفاظ على ديناميكية المفاوضات.

كل الخطوات والتصريحات التي أبداها مسؤولوا الولايات المتحدة بهذا الشأن، وإن ظهرت غير لافتة، تنبئ بمسار أمريكي في القضية الليبية يكون تحسّباً للفراغ الذي ترتب عن استقالة غسان سلامة، يوازي ـ إن لم يكن بديلاً عن ـ المسار الأممي الذي سحبت الحرب من رصيده في إدارة متوازنة للمصالح الدولية المتدخلة في النزاع الليبي. ومراعاة للشكليات الدولية سيتم إدغام مهمة الترتيبات الأمنية لنائب المبعوث الأممي المستقيل شتيفاني وليامز التي عملت سابقاً قائمة بالأعمال في السفارة الأمريكية. وهذه الترتيبات الأمريكية التي ستتولاها ستحول دون استغلال الاستقالة من قبل الأطراف التي خرقت باستمرار شروط وقف إطلاق النار. والتي مازالت تتحفّز لأن تشن هجوما على طرابلس بدعم وغطاء كامل من الأطراف الإقليمية التي لازالت تحظى بدعم روسيا.

مايثير الأسئلة تصريح السفير الأمريكي الفوري بعد إعلان استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، بأن بلاده تتطلع إلى تعيين خلف لسلامة يستأنف الحوار بين الليبيين الذين لم يحدّد صفاتهم. ولم تكتف السفارة الأمريكية بذلك بلّ أعقبت بيانها بخطوات عملية من طرف القائم بأعمالها في ليبيا الذي أفاد بأن السفارة ستعمل مع وزارة الداخلية لحكومة الوفاق لضمان التسيير الكامل للأمر التنفيذي رقم 13726 الصادر عن الولايات المتحدة، الذي يسمح بفرض عقوبات على الأفراد الذين يهدّدون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا. سبق ذلك إحاطة خاصة لعدد من ممثلي وسائل الإعلام لمسؤول في الخارجية الأميركية صرّح: بأن حكومة الولايات المتحدة منخرطة في الجهود المبذولة لوضع حد للصراع الجاري في ليبيا، ووقف التدخل الأجنبي، بهدف تعزيز قيام دولة ليبية مستقرة وموحدة وديمقراطية، مضيفًا أن وجود هذا النموذج للدولة في ليبيا يجعل من الممكن أن يكون هناك تعاون بينها وبين الحكومة الأميركية في مجالي مواجهة الإرهاب والطاقة. هذا التصريح يأتي تكملة له ما أعلنه مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية والعسكرية، في تغريدة عبر حساب السفارة الأميركية على "تويتر" أنه ناقش مع سفيرهم لدى ليبيا قلق الولايات المتحدة العميق إزاء التدخل الأجنبي في ليبيا.

في خطوة لافتة للانتباه وباتجاه مُسمى قائد الجيش الليبي لإثنائه عن الهجوم الميليشياوي المزعوم الذي سيلتبس به للمرة الثانية. تحرّكت أوروبا ممثلة بوفد ضم مستشارين وسفراء من فرنسا وإيطاليا متوّحدين وراء ألمانيا، لمحاولة إنقاذ مخرجات مؤتمر برلين والقرار رقم 2510 الصادر عن مجلس الأمن الذي ترتب عليه، والذي يذكر به الأمين العام للأمم المتحدة، وعلى أساسه يطالب بوقف خروقات قرار وقف إطلاق النار والكبح الفوري للمواجهات الحالية والهجومات المُزمع القيام بها من الأطراف المتنازعة على لعاصمة طرابلس.

نقطة نجاح المبعوث الأممي إلى ليبيا، التي تحيل استقالته التي خفف وطأتها بلغة دبلوماسية بطلب إعفائه إلى ما أسماه عنوان المقال بالاستئذان في الانصراف، هي ماوصفه المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بالديناميكية، التي كيفما يمكن أن تفهم من كلامه طورت إلى حد الآن في أحسن الأحوال قوة بحجم مقدور عليه. لكن الأهداف الأساسية لم تتحقق حتى بعد سنوات من الوساطة. وهو مانفهمه من تعليق المدير الإقليمي للشرقين الأوسط والأدنى وشمال أفريقيا بالخارجية الألمانية، كريستيان باك، على استقالة سلامة، مبديا امتنانه له على خدمته الممتازة كرئيس بعثة اندرج ضمن الممثلين والمبعوثين التابعين للأمم المتحدة الذين يكونون أكثر تميزا عن غيرهم، ولكن قليل منهم من يحاول تحقيق ما حققه غسان سلامة وإذا كان السلام في ليبيا صعبا تحقيقه فهو آخر شخص يمكن إلقاء اللوم عليه في ذلك.