Atwasat

التحدي الذي تشكّله «الدولة الإسلامية»

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 06 أغسطس 2014, 04:59 صباحا
القاهرة - بوابة الوسط

تبدو التحذيرات التي أطلقها مسؤولون أمريكيون حول جماعة «الدولة الإسلامية» الإرهابية، التي أنشأت ملاذًا آمنًا في العراق وسوريا، على نحو ينذر بالشر مثل الإنذارات الاستخباراتية التي سبقت هجوم تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر 2001.

وصرح  نائب مدير وكالة الأمن القومي ريتشارد ليدجيت في "منتدى أسبن الأمني" الأسبوع الماضي أن "أكبر تهديد مثير للقلق" يتتبعه يتمثل في آلاف المقاتلين الأجانب الذين يتدربون مع جماعة الدولة الإسلامية. وفي نفس المنتدى، ذكرت ليزا موناكو، مستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، أن خليفة القاعدة يشكّل خطرًا محتملًا على الوطن الأمريكي.

يبدو أن أضواء الإنذارات حمراء، ولكن تحتفظ الولايات المتحدة بوضع عدم إطلاق النار في هذه اللحظة، على الرغم من بعض الدعوات التي يطلقها الصقور في الكونغرس لقصف الإرهابيين قبل أن يصيروا أقوى. ويعكس هذا التأخير نقاشًا داخل إدارة أوباما حول الطريقة والزمن المناسبين لمحاربة الخلافة الجهادية التي نصبت نفسها بنفسها.

إن «الدولة الإسلامية» جماعة خطيرة لأنها تعمل بشكل استراتيجي، وتشكّل تحالفات مفيدة وتخطط لعملياتها بعناية. وانسحبت الجماعة من المواقع الضعيفة في شمال سوريا العام الماضي وعزّزت ملاذًا آمنًا في الرقة.

قدّم لحالة الحذر الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في اجتماع أسبن، حيث حذّر من العمل العسكري "المتهور" وقال إن الولايات المتحدة "يجب أن تتبنى وجهة النظر طويلة الأجل" حول كيفية هزيمة مقاتلي الدولة الإسلامية. ويقول ديمبسي إن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بتوجيه مزيد من الدعم العسكري من خلال حكومة عراقية جديدة أكثر تنوعًا بعد استبدال رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ساهم في حدوث استقطاب.

إن تأسيس حكومة عراقية جديدة أمر مرغوب فيه بكل تأكيد، ولكن لا يجب على الولايات المتحدة أن تنتظر الحلفاء المثاليين في العراق أو سوريا أو ساحات المعارك الجديدة أخرى. وعلى الرغم من عدم براعة وكمال زعماء القبائل العراقية ومقاتلي الجيش السوري الحر العشوائيين، فإنهم بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة الآن. وسرعان ما قد تحتاج إدارة أوباما، على الجبهة القانونية، إلى سلطة تخوّل لها العمل المباشر ضد ’الدولة الإسلامية‘، التي قد لا تكون مشمولة- كمجموعة فرعية منشقة عن القاعدة- بالرخص الحالية لاستخدام القوة ضدها.

إن «الدولة الإسلامية» جماعة خطيرة لأنها تعمل بشكل استراتيجي، وتشكّل تحالفات مفيدة وتخطط لعملياتها بعناية. وانسحبت الجماعة من المواقع الضعيفة في شمال سوريا العام الماضي وعزّزت ملاذًا آمنًا في الرقة، حيث وسعت عملياتها من تلك البقعة في العراق، واجتاحت محافظة الأنبار في ربيع هذا العام وهاجمت الموصل وتكريت في يونيو.

وأبدى أبو بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية، مزيجًا من الوحشية والمكر. فقد شقَّ طريقه في العراق من خلال تشكيل تحالفات مع زعماء العشائر السنية والضباط البعثيين السابقين، واستفاد من كراهيتهم للمالكي. وبالحفاظ على أمن عملياتي جيد، حقق مفاجأة تكتيكية في الموصل وأماكن أخرى. فضرب نقاط الضعف في الجيش العراقي، مرتكزًا على ما يتضح أنها معلومات استخباراتية ملائمة. وعلى الرغم من استعداده لمهاجمة بغداد، فقد تراجع إلى الوراء، ربما خوفا من رد فعل عقابي من جانب الولايات المتحدة.

يعتبر البغدادي هو العدو اللدود في كل هذه الأمور. فقد أعاد بناء شبكة تم تخفيضها من 10 آلاف مقاتل في عام 2006 إلى 1.500 مقاتل تقريبا قبل سنة أو نحو ذلك من الآن. المخيف بالفعل هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك الشبكة.

يعتبر البغدادي هو العدو اللدود في كل هذه الأمور. فقد أعاد بناء شبكة تم تخفيضها من 10 آلاف مقاتل في عام 2006 إلى 1.500 مقاتل تقريبا قبل سنة أو نحو ذلك من الآن. المخيف بالفعل هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه تلك الشبكة: فما يقرب من نصف مقاتلي جماعة الدولة الإسلامية اليوم، والذين يزيد عددهم عن 10 آلاف مقاتل، ليسوا سوريين ولا عراقيين وإنما أجانب قادمين من المملكة العربية السعودية والأردن وأوروبا وحتى أمريكا. وبدأت هذه الجماعة أيضا في جذب مجندين من أكثر الفروع المنتسبة للقاعدة سمّيّةً، واستفادت من خبراتهم في صنع القنابل غير المعدنية غير قابلة للكشف.

كيف يمكن للولايات المتحدة البدء في مكافحة وتدمير البغدادي والدولة الإسلامية نهائيًّا؟ هناك حليف حاسم يتمثل في تكوين حكومة عراقية جديدة تحظى بثقة كل من أهل السنّة والأكراد وكذلك الشيعة. ولكن ستحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى إقامة علاقات مع زعماء القبائل العراقية. وأُتيحت أمامها الفرصة في مؤتمر عُقد قبل أسبوعين في عمان، بالأردن، وضم 200 من الشيوخ العراقيين والبعثيين وشخصيات معارضة أخرى. لكن نددت الحكومة العراقية بالاجتماع، مشيرةً إلى أن الحضور "يشاركون في سفك الدم العراقي". ويبدو أن الولايات المتحدة قد تصرفت بحذر، على الرغم من المناشدات التي أطلقها بعض زعماء القبائل لإحياء استراتيجية "الصحوة" التي دمرت القاعدة في العراق بين عامي 2006 و 2008.

بالنسبة لأوباما، الذي قال العام الماضي إنه يأمل في تحريك الولايات المتحدة بعيدًا عن "قدم الحرب الدائمة" بعد العراق وأفغانستان، كان تهديد الدولة الإسلامية بمثابة مراجعة واقعية مؤلمة. لا يريد أوباما خلق جيل جديد من الأعداء للولايات المتحدة لكنه يواجه خطرًا ملتهبًا لم يكن يتوقعه. فالدولة الإسلامية بمثابة وباء سام في بلد بعيد. في الوقت الراهن، قد تقوم بقتل السوريين والعراقيين بشكل رئيسي؛ ولكن في حال تركها دون عقاب، من المحتمل أن تنشر سمومها بحيث تهدد أوروبا وأمريكا أيضا.

تتمثّل الحقيقة المفزعة في أن الصراع الذي يتشكّل في العراق وسوريا سيدوم لسنوات. والتحدي الذي يواجهه أوباما (وللأسف الشديد، خليفته) هو كيفية محاربة الإرهاب على مدى العقد المقبل دون الوقوع في الأخطاء المدمرة لسلفه.

(خدمة واشنطن بوست)