Atwasat

شعوبا وقبائل

محمد عقيلة العمامي الإثنين 24 فبراير 2020, 12:40 مساء
محمد عقيلة العمامي

المسلمون يتفقون أن خلق الله، وما يقرره لمخلوقاته هو الأمثل. وما يريده هو الأفضل. وماذا لو اقتنعنا أن الغالب في مكونات كل مدينة من قبيلة واحدة؟ وأن مجموعة مدن، قريبة من بعضها البعض يغلب عليها، في الغالب كثرة أكبر قبائل الإقليم.

ونحن نتفق أنه ليس في القرآن الكريم خلل ولا يجد فيه المتأمل جملا أو عبارات بلا معني. دعونا نتدبر معا، الكلمتين "...شُعُوبًا وَقَبَائِلَ" من هذه الآية الكريمة:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

تقرير الله هذا لابد وأنه الأفضل للناس، وإلاّ لما ربطه من البداية بالخلق. ولذلك ماذا لو طبقنا هذا الأمر السماوي وقسناه على المدن؟ ثم على الأقاليم؟ ألا يجعل من فكرة الفيدرالية أنها من عند الله؟
ألم يطبق الفتح الإسلامي، من بدايته نظاما كالفيدرالية؟ ألم يتعامل الخليفة مع ولاياته مثلما تتعامل الحكومة المركزية مع ولاياتها؟

لو تأملنا الدول التي اتخذت من الفيدرالية نظاما لها لوجدنا أنها الأكثر استقرارا: الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، كندا، سويسرا، دولة الإمارات المتحدة، ألمانيا .. جميعها دول مستقرة، وجميعها مرت بعدد من المشاكل ولكنها استقرت عندما اعتمدت النظام الفيدرالي.

اتخذ العهد الملكي النظام الفيدرالي، منذ استقلاله، في وقت كثرت فيه إرهاصات، بعضها نادى بالجمهورية، وأحرى نادت بالحزبية، ولكن المنطق غَلّب الفيدرالية، وقامت الدولة وتنامت بهدوء ومن دون قلاقل. ولو عدنا إلى أسباب إلغاء هذا النظام لوجدناه اكتشاف النفط، وبدء تصديره، ومصلحة المستفيدين منه خصوصا الشركاء، من غير الليبيين، في ذلك الوقت وهم في الواقع شركات وليست دولا. كان من مصلحتها أن تتمركز تعاملاتها مع كيان واحد! صحيح أن الحكومة الاتحادية تعد كيانا واحد، ولكن يبدو جانب الخدمات تمركز في مناطق التنقيب، وبالتالي فرص العمل كانت أفضل للولاية، التي اكتشف فيها البترول فكانت استفادتها أكثر، ولكن الواقع الآن يقول أن الاكتشافات تكاد تغطى ليبيا كلها.

كان هناك قانون صارم نظم حكم ولايات ليبيا الثلاث، وحدثت مشاكل كثيرة، ولكن القانون الاتحادي حلها بسهولة، وبقوة القانون؛ لعل إلغاء المرسوم الملكي الذي تمكنت ولاية طرابلس من إلغائه بحكم من المحكمة الاتحادية خير دليل. وكانت هناك مشاكل بسيطة أخرى ولكن القانون الاتحادي تغلب عليها.

لم تتسلط المركزية أبدا على الولايات، فأينما كان مقر الحكومة الاتحادية، لا تتدخل في حكم الولايات إلاّ من خلال القانون، فكان مصرف ليبيا مركزيا، وكذلك كان البوليس الاتحادي، والجيش الليبي، والمحكمة الاتحادية، بعيدا عن حكم الولايات، وأقوى من قوة دفاع برقة، وقوة دفاع طرابلس وقوة دفاع سبها. لم يتغوّل كيان على آخر إلاّ بعد إلغاء النظام الفيدرالي!

من بعد سقوط دولة القذافي، كثرت الدعوة إلى الفيدرالية، فشوهت من البداية وقدمت وكأنها دعوة إلى الانفصال! وهذا - للأسف - هراء! فلا أحد مهما بلغت سطحيته يطالب به، إلاّ إذا كان لا يعرف أن ليبيا لحمة واحدة، وان التقزيم، والتفتيت مجرد لقم سائغة للمتربصين.

صحيح أن الشرق الليبي علا صوته مطالبا بالفيدرالية مثلا، ولكن هناك مدن نعرفها جميعا لم يعلُ صوتها مطالبة بها، ولكنها تطبق نظاما فيدراليا صارما واضحا من دون أن ينتقد أحد ما تقوم به!
أنا وأبواي مولودون ببنغازي وهي مدينتي وأنا فخور بها، أجدادي قدموا إليها من مصراته وزليتن، وأصول قبيلتهم من وادي ماجر، وأبنائي يقيمون بطرابلس، وأصهاري من الغرب.. ولي أصدقاء يرتفعون إلى مرتبة أشقائي من مصراته، والزاوية، بن وليد، وزواره، والجميل، وسرت، وهون، وودان.. أنا ليبي، وسوف أتصدى بكل إمكانياتي لمقاتلة كل من يحاول أن يقسمها.. وأول هؤلاء هم من يعملون على تجذير المركزية.
فتأملوا فقط تعريف الفيدرالية:

"(الفيدرالية) تعنى (الاتحادية)، وهو مصطلح يعبر عن نظام الدولة المُركب، تتكون من عدد ولايات أو مقاطعات على رأسها دولة تمثلها في الخارج، ولها حق السيادة عليها، وكذلك لها الحق في تنظيم علاقاتها من خلال قانون دستوري. إنها عبارة عن نظام دولة يتألف من أنظمة حكم مستقلة بشكل ذاتي- في الغالب حسب حاجتها - تختلف من ولاية لأخرى، ولكنها تتّحد فيما بينها بنظام مركزي".

عالجوها - أيها الشرفاء - اجعلوا ليبيا فيدرالية وسوف تتبخر مشاكل ليبيا كلها، فأي مشكلة مهما كان حجهما تتجزأ فيسهل حلها، فمن خلال الفيدرالية تجزأ مشاكل ليبيا. وتذكروا أن العقل كالنهر، كلما كان عميقا، كلما قلت الضوضاء الصادرة منه!.