Atwasat

كيف يمكن أن تساعد السردية الوطنية لليبيا في بناء السلام (4 - 4)

الزهراء لنقي الخميس 20 فبراير 2020, 11:40 صباحا
الزهراء لنقي

ثامنا: الإصرار على بناء السلام وبناء وطن يشمل الجميع.
إن لدى غالبية الليبيين اليوم قناعة بالحاجة إلى السلام وتعزيزه، وصياغة حلول تشمل الجميع وتتسم بالاستيعاب والتضمين. قد يختلف الليبيون على كيفية الوصول إلى السلام وأهم الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق ذلك، لكنهم يتفقون على أنهم جميعا خاسرون إذا لم يحل الاستقرار. ظهرت هذه القناعة وهذا الإصرار على خيار السلام في عدد من المظاهر. مثلا، كلما حصل تصعيد عسكري خلال مرحلة النزاع المسلح علت فورا إدانة غالبية الأمة الليبية لذلك التصعيد. أيضا، يظهر الإصرار على خيار السلام في كثرة منصات العمل الطوعي والمجتمع المدني صاحبة الإسهامات المتنوعة في بناء السلام، التي تقودها شابات وشباب ليبيون. إن نسبة كبيرة من سكان ليبيا هم من الشباب، والغالبية الكاسحة من منصات العمل الطوعي والمجتمع المدني يقودها شباب.

خلال الفترة الماضية، نجد أن رسوخ فكرة الإصرار على بناء السلام وتعزيزه وترسيخ الشمل والتضمين دفع نسبة كبيرة من الشباب إلى تفضيل الانخراط في العمل الطوعي ضمن إطار المجتمع المدني على الانخراط في العمل المسلح. ولقد اكتسبت الشابات الليبيات والشباب الليبيون المؤمنون بالسلام ثقة قطاعات واسعة في المجتمع الليبي وحازوا مصداقية واسعة.

إن رسوخ هذه الفكرة، لا سيما بين جيل الشباب يبشر أنه عندما يبدأ بعض هؤلاء الشباب في الانخراط في المؤسسات الرسمية ويسهمون في صناعة القرار الرسمي، فإنهم سيجنحون أكثر إلى صياغة سياسات تعزز السلام والشمل والتضمين.

تاسعا: الحماية الاجتماعية- الاقتصادية
تتسم العلاقات المجتمعية في ليبيا بوجود قدر لا بأس به من التكافل والحماية على المستوى الاجتماعي الاقتصادي. كما ذكرنا آنفا، فإن من خصائص المجتمع الليبي قوة بنية التكوينات الطبيعية كالقبائل والعائلات الممتدة والأسر. ومن خصائصه كذلك وجود تكوينات إيمانية-اجتماعية مثل الطرق الصوفية. هذان النوعان من التكوينات ينتشر بينها التعاضد والتراحم والتكافل. هذه التكوينات تقدم خدمات اجتماعية اقتصادية كثيرة للأفراد المنتمين لها، وفي نفس الوقت للدوائر الأقرب في المجتمع. ويشمل ذلك خدمات تتعلق بالعلاج الصحي والغذاء والتعليم والدعم المالي، كما تتسم بنية المجتمع الليبي بأن الفجوات بين الطبقات المالية ليست واسعة جدا.

خلال العقد الماضي، كانت هناك نتائج لا يستهان بها لانتشار التكافل والحماية على المستوى الاجتماعي الاقتصادي. لقد حال ذلك دون تفشي الفقر المدقع والحاد في المجتمع، كما حال دون لجوء كثير من الأفراد لاستراتيجيات تكيف ضارة، مثل الانخراط في تجارة الممنوعات والمخدرات وفي التنظيمات المسلحة.

إن انتشار روح التكافل والتعاضد والتراحم يسهل مهمة تصويب المسار الاقتصادي، لجعل توزيع عوائد التنمية أكثر عدالة في الحاضر والمستقبل. لقد أنعم الله على ليبيا بموارد كالنفط والثروة السمكية، كما أنعم عليها بموقع جغرافي متميز. ومن خلال تأسيس دولة العدل والمؤسسات والقانون يمكن تصحيح الخلل القائم على مستوى الوضع الاجتماعي الاقتصادي، كما يمكن رفع مستوى كفاءة إدارة الموارد. ليس هذا فحسب، بل إنه من الممكن تحقيق معدلات ازدهار اقتصادي أفضل.