Atwasat

17 فبراير ثورة أم نكبة أم مؤامرة؟

مالك أبوشهيوة الثلاثاء 18 فبراير 2020, 12:58 مساء
مالك أبوشهيوة

بداية، أكاد أجزم بأنه ليس هناك ليبي واحد لم يدفع ثمناً باهظاً خلال السنوات التي تلت اندلاع الثورة وسقوط النظام الدكتاتوري كنتيجة لتداعيات الثورة، تلك التداعيات التي عرفتها كل الثورات الكبرى، (الثورة الأمريكية و الثورة الفرنسية والثورية الروسية والثورة الصينية، كذلك ثورات أواخر القرن العشرين: الثورة الفيتنامية والنيكاراغوية، والثورة البولندية، الفلبينية، الكمبودية، الزيمبابوية، والجنوب افريقية) من صراعات واحتراب وأزمات متعددة مثل التي تمر بها ليبيا الآن، هذه الوضعية جعلت الأكثرية من الليبيين يطرحون العديد من الأسئلة المهمة منها، هل ثورة فبراير ثورة حقيقية أم هي نكبة أم هي مؤامرة على الوطن؟

أنا أتفهم ما يطرحه الليبيون من أسئلة، ولكن حتى نستطيع فهم ما حدث في فبراير وتداعيات ذلك خلال السنوات التالية لسقوط النظام الدكتاتوري، والإجابة على ما يطرحه الليبيون، علينا فك الاشتباك بين مرحلتين والتمييز بينهما، المرحلة الأولى، مرحلة اندلاع الثورة وسقوط النظام الدكتاتوري، وهي المرحلة المتعلقة بالعوامل الداخلية "مدى توافر شروط الثورة وعوامل قيامها"، والمرحلة الثانية، مرحلة بناء الدولة والتي تداخل فيها العامل الداخلي بالخارجي غير أنه من الملاحظ في هذه المرحلة غياب الإرادة الوطنية وتهميشها الأمر الذي جعل العامل الخارجي هو العامل الحاسم في هذه المرحلة.

(لا أحد ينكر أن العديد من الدول وظفت ماجرى (وتوظف مايجري) لخدمة مصالحها ، بل عملت على تمكين القوى التي كانت ترى بأنها تخدم مصالحها، وساهمت في إقصاء القوى الوطنية من المساهمة في بناء الدولة، ومازالت هذه الدول تعمل على إعاقة بناء الدولة)، لذلك لا يجب الخلط بين المرحلتين، بل من الضروري فك الاشتباك بينهما، فلكل منها عواملها وأسبابها. بالأخذ في الاعتبار المرحلة الأولى يمكن القول أن ثورة فبراير كانت حتمية حيث عمل النظام على إقصاء القوى الاجتماعية والسياسية المناهضة للنظام ولم يعمل على إدماجها أو احتوائها والسماح لها بالمشاركة الحقيقة في السلطة والثروة والنفوذ، فخرجت جموع الجماهير في كل مدن شرق الوطن من مدينة بنغازي إلى الحدود الليبية المصرية بشكل سريع ومفاجئ للنظام وبعد ذلك في معظم المدن الليبية، وما ترتب على ذلك من تداعيات وتغيير، هذا التغيير لم يغير توزيع القوة في المجتمع فقط بل نتجت عنه تغيرات كبيرة وحاسمة في بنية المجتمع ككل، تميزت بالعديد من الخصوصيات لاتتسم بها إلا الثورة ولاتوجد في الظواهر الأخرى مثل الانتفاضة أو الانقلاب أو المؤامرة، وهذه الخصوصيات هي: تغيير في قيم و ايديولوجية النظام ككل وفي البنية الاجتماعية والطبقة الحاكمة (أو النخبة) وتكوينها الطبقي وكذلك تغيير القيادة، وإلغاء مؤسسات النظام وتغيير وظائفها أو إحلالها بمؤسسات أخرى، وانتقال السلطة بشكل غير شرعي، وسيطرة العنف على عملية سقوط الدكتاتورية، كل ذلك يؤكد حقيقة ثورة 17 فبراير 2011 ، صحيح أن الأحلام التي خرجت من أجلها الجماهير المتمثلة في الدولة الديمقراطية ودولة المؤسسات وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، إذا كانت هذه القيم أصبحت بعيدة المنال بعد الفشل في مرحلة بناء الدولة المنشودة، بالرغم من ذلك لا يجب أن نسمح لأنفسنا بنفي صفة الثورة الحقيقية عن 17 فبراير واعتبار ماجرى نكبة ومؤامرة خارجية، ولا يجب أن نهون من حجم التضحيات التي قدمها العديد من أبناء الوطن.

أخيراً، علمنا التاريخ أن الأفكار والقيم لا تموت، ولا يعني إعاقة تحقيق هذه القيم في هذه المرحلة أنها لن تتحقق في المستقبل، تحقيق هذه القيم مرهون باستعادة الإرادة الوطنية وطي صفحة الخلافات وبناء توافق يستند على رؤية للمستقبل بدون إقصاء لأحد (إلا الذي يجرمه القانون) والاصطفاف في مواجهة التعصب والكراهية والإرهاب ونبذ الاحتراب والجهوية والعمالة للخارج وإشاعة ثقافة المواطنة والتسامح والتعايش السلمي في الوطن الواحد الموحد.