Atwasat

العالمية الليبية

نورالدين خليفة النمر الأحد 16 فبراير 2020, 12:35 مساء
نورالدين خليفة النمر

يعجزالتصنيف، وترتبك التسمية، بناءً على المعطيات الإشكالية، فتبدو الحاجة إزاء الفوضويات المنفلتة في تخلي المركزية الموهومة عن مهمة التفسير للسرديات التي تعتبرها الأصغر، وتقلع عن الاهتمام بالطبوغرافيات المحلية التي لم تختبرها، في الطرفيات التي ما انشغلت يوماً بها، بغرض تشميلها في خرائط أكثر تعميمية والتجرؤ على قراءة معطياتها حسب المصالح، بله الأطماع والمخاوف التي تستدعيها مركزيتها الواهمة.

وُجّهت القضية الليبية، من بدئها عالمياً بدل أقلمتها حسب منظومة التفسير البالية الموروثة من مشروعات القومية المنهزمة والإسلامية المنكفئة على تطرّفاتها، والتي ركنت إلى النظرة الفوقية، فتم التعامل بالمنفعية مع ماكان موجوداً في ليبيا قبل عام 2011. والتعاطي معه كونه نمطاً إنتربولوجياً من الغرابة الديماغوجية، يُبرز فردانية الحاكم الأوتوقراطي، التي تجاوزت مواصفات النظام الدكتاتوري، إلى حالة من اللانظام، فيما يشبه الفوضى المبرمجة.

بدأ النظام يتهاوى ليسقط، ولاحظ العالم أنه لاتوجد مؤسسة دولة، فصارت ليبيا بموقعها الجيوسياسي وثرواتها المعدنية مشكلةً للعالم، موضوعة أمام الدول النافذة في مجلس الأمن الدولي. بريطانيا التي تعتبر نفسها مسؤولة عن ليبيا كتبعة من تبعات إنهاء الاستعمار عام 1944، أخدت على نفسها أن تتحمّل مسؤولية استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 بتاريخ 17 مارس 2011.

كان لابد من مبدأ تعتمد عليه الجهود الدبلوماسية الغربية يكون بمثابة الخيط الرئيسي الـ "guide on" لسرد الوقائع في شكل منطقي مترابط. المبدأ يستند على مذهب المنفعة Utilitarianism ويقوم على نظرية أخلاقية غربية تربط بين صحة السلوك ونتائجه. فالتدخل في ليبيا كان لامندوحة له إلا أن يأخذ الطابع العسكري، ولكي يتحصل على مشروعية وتفويض دوليين عبر الأمم المتحدة، يكون من اللازم استناد المسعى الدبلوماسي على مبدأ سياسي أخلاقي. فلاسفة مذهب المنفعة البريطانيون يرون بأن الفعل يكون أخلاقيًا، إذا قاد إلى تحقيق نتائج أحسن. وأرادوا بذلك، أن يستبدلوا بالتعصب الشديد للمبادئ، مبادئ أكثر مرونة، تسمح للناس باتباع أي سلوك يؤدي إلى نتائج مُرضية. فالفيلسوف بينثام، يرى بأن السرور والسعادة هما الأفضل بذاتهما، بينما الألم والشقاء هما قاعدة الشر. وهذا ماتمّت صياغته في جملة بليغة وردت على لسان رئيس الحكومة البريطانية وقتها: "ألا تفعل شيئًا في هذه الظروف، لم يكن فعلًا حياديًا، كان يعني تسهيل القتل". ولذا كان الفعل العسكري المساند للثورة الشعبية الليبية 17 فبراير 2011 كجزء من رد الفعل الدولي على المقاصد المُعلنة، والتصرفات المبتدئة من قبل النظام الدكتاتوري الليبي لقمع ثورة معارضيه.

حاول بينثام تطبيق نظريته في السياسة، لإيجاد طريقة لقياس قيمة السلوك. وتُعد نظـرية بينثام، شكلاً أوليًا من طريقة تحليل الربح والتكلفة، التي تُستخدم الآن بكثرة في السياسة والاقتصاد. بالشكل الذي عبرّت عنه عام 2016 وزيرة خارجية أميركا كلينتون بأن الولايات المتحدة لو لم تقف وراء التخلص من دكتاتور ليبيا عام 2011، لكانت ليبيا تحولت إلى نسخة من سوريا، ورغم إقرارها بأن الوضع فى ليبيا ليس مثاليا بعد التغيير ولكن قتل على أزيد تقدير 1500 فى ليبيا، أفضل بكثير من قتل 150000 فى سوريا.

عالمية القضية الليبية، تعيد تكرار نفسها 13 فبراير 2020، بإصدار مجلس الأمن بناءً على مسودة قرار بريطاني للقرار رقم 2510، لاعتماد مخرجات مؤتمر برلين ومن بينها وقف إطلاق النار في ليبيا. نال موافقة 14 عضوا، بينما امتنعت روسيا عن التصويت. التناغم الذي أضفاه البريكست بين موقفي مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا وتوحدهما، قابله عدم ظهور الفيتو الروسي وهو ما أعطى إشارات دبلوماسية دالة على ليونة في موقف موسكو، الذي يرتهن كما في عام 2011 بارتباطات تمليها تفاعلات الملف السوري، دفعت روسيا أيضاً وفقط لإبداء معارضتها على ذكر المرتزقة في الوثيقة الذي عكس ضغطاً على روسيا بتورّط قوات "مرتزقة فاغنر" .

اعتبر تقرير نُشر في موقع بوابة الوسط أن مجلس الأمن بإصداره للقرار رقم 2510 يكون قد خطف الأضواء من المسارات الليبية الثلاثة التي ترعاها ممثلية الأمم المتحدة في ليبيا. العكس هو الوصف الصحيح. فإن قرار مجلس الأمن سلط أضواءً على مناطق العتمة، التي تتلاعب بها الفوضويات الليبية لتعطيل إمكانية خروجها من مأزقها.

يدعم قرار مجلس الأمن رقم 2510 وقف إطلاق النار غير المشروط. مضمناً مقررات مؤتمر برلين، التي تبناها المجلس في قراره، ومن بينها الالتزام بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، لكن ما تفتح الباب أمام الشكوك هي الآليات المرتقبة لتطبيق هذا القرار، والترتيبات التي تجعله ملزما لجميع الأطراف.
المهم في استصدار قرار جديد لمجلس الأمن يخصوص الحرب الليبية، هو وصول الدول المصوتة بالموافقة عليه، حتى مع الامتناع الروسي عن التصويت، كلا على حدة إلى القناعة التي وصلت إليها في مسألة الحرب بأن ضلوعها مع الطرف الذي يقاتل باسمها لايحسم هذه الحرب. وبالقرار الدولي رقم 2510 وصلت إلى الاعتقاد بأن إمكانية حل النزاع عن طريق دولة واحدة هو ضربٌ من الوهم، تكذّبه عالمية القضية الليبية بتأسسها دولة اتفق العالم على استقلالها عام 1951 لتتبوأ مكانتها بين الدول.