Atwasat

الإنجيليون والبيت الأبيض المقدس

سالم العوكلي الثلاثاء 04 فبراير 2020, 12:47 مساء
سالم العوكلي

الإنجيلية المتشددة، باولا وايت، مستشارة ترامب الروحية، كانت أول امرأة تتلو الصلاة خلال مراسم تنصيب رئيس أمريكي، وبشرت الشعب الأمريكي أن "ترامب مختار من الله وليس فقط من الشعب الأمريكي، ومعارضة ترامب تعني معارضة الله" قائلة في حوارات معها وعبر برنامجها التليفزيوني التبشيري: أن الشياطين من يعارضون ترامب وينافسونه، حيث يتعرض لهجوم من الأرواح الشريرة والشيطانية ضد تعيين شخصيات في مناصب معينة. وفي إحدى عظاتها المنشورة على الإنترنت تقول: "حين أطأ أرض البيت الأبيض فإن الله يطأ أرض البيت الأبيض، ولدي كامل السلطة لأعلن البيت الأبيض أرضا مقدسة".

المعروف أن الطائفة الإنجيلية التي يشكل تعدادها ربع الأمريكيين تلعب دورا كبيرا في نتائج الانتخابات الرئاسية، ومنذ عقود تدعم، أو تُفضّل هذه الطائفة الجمهوريين باعتبارهم محافظين وملتزمين دينيا، غير أن المرشح ترامب أثار جدلا واسعا داخل الطائفة باعتباره رجلا مارقا لا يعرف آية من الإنجيل ويشتهر بفضائحه الأخلاقية ومجونه. وفي حين صرح القس الإنجيلي جيم والنر أنه لن يدعم ترامب المارق لأنه يرتكب الفجور، علق زعماء آخرون أنه تم الصفح عنه ومباركته، وأن هذا الفجور حدث في الماضي (نوع من الاستتابة). أما القس توني بركنز فطالب في حديث لمجلة بوليتيكو بمنح فرصة للرئيس "لأنه تبنى قيادة أجندة الإنجيليين". والمعروف في عقيدة الإنجيليين الحث على الطاعة التامة للرئيس الذي يباركه زعماؤهم.

في الانتخابات الأمريكية السابقة غازل ترامب بشكل واضح هذه الطائفة، وكان اختياره لنائبه مايك بنس، الإنجيلي، دور كبير في قلب المعادلة التي كانت في صالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وطيلة الحملة الانتخابية كان بنس يسمي نفسه الإنجيلي الكاثوليكي، أو المسيحي المحافظ والجمهوري المخلص، لكسب شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي، ويَعِرف الرأي العام الأمريكي عن بنس كونه إنجيليا محافظا ومتدينا لا يحب أن يكون وحده مع النساء ويكره المثليين، وهو عكس ترامب الذي نال صك غفرانه الموقع على بياض. وفي تعليق مستشار ترامب، ريتشارد لاند، قال "إن مايك بنس ذهب من عيار 24 ويتميز بما يجب أن نراه في سياسي ينتمي للإنجيليين".

تقف هذه الطائفة التي تبنت عقيدة كانت تكره اليهود، إضافة إلى الشيوعيين والمسلمين، وراء التحالف التكتيكي فيما بعد بين الإنجيلية والصهيونية خصوصا بعد ما تعرضت له من مضايقات من اللوبي الصهيوني بسبب اتهام بعض زعمائها بمعاداة السامية. لكن الإنجيليين الذين يقدر عددهم ب 85 مليون في أمريكيا أصبحوا فيما بعد يعرفون بـ "المسيحيون الصهاينة" بعد أن اجتهد بعض مفسريهم في إبراز بعض التقاطعات بين رؤى العقيدتين ومبادئ أيديولوجية تخدم هذا التقاطع ولو لحين، وبدءوا يبشرون بأن قيام دولة إسرائيل يأتي منسجما مع تعاليم الإنجيل، وأن المسيح سيعود للحياة بعد أن يتجمع كل اليهود في أرض الميعاد، كامل أرض فلسطين، ومن المفارق أن العقيدة تذهب رغم هذا التقاطع إلى فكرة نهاية العالم حين يقضي المسيح العائد على كل اليهود، وحين سُئل نتنياهو على هذه المفارقة ضحك وقال: حينها سيكون لكل حادث حديث. ومن المفارق أيضا أن قداس الاحتفال بافتتاح السفارة الأمريكية في القدس ترأسه الإنجيلي المتعصب روبرت جيفرس الذي حذف اليهود من قائمة كراهيته واحتفظ فيها بالمسلمين. وكان ترامب قد ألقى كلمة بهذه المناسبة حاشدة بالعبارات والاستشهادات الإنجيلية والتوراتية التي تؤيد خطوته المضادة لكل القوانين والقرارات الدولية (الوضعية).

يحدث أن يتبنى مجموعة من الناس في كل مكان وزمان مثل هذه الخرافات، ولكن يكمن الخطر حين يتبناها سياسيون من قادة أكبر قوة في العالم، ويديرون من مكاتب تمنح لهم داخل البيت الأبيض جزءا من سياساتها الخارجية، والتعمق في قراءة عقيدة الإنجيلين يظهر مدى التشابه بينها وبين التيارات السلفية المتشددة في الدول الإسلامية، ويظل الفارق الحضاري والعلمي للأمم هو الذي يخفي هذا التشابه الجوهري، دون أن يحد من خطورته على مستقبل العالم، الذي مازال ينجز معجزاته فوق أرض مفخخة بالخرافات التي قدمت على مدى التاريخ أعتى أنواع الإرهاب والعنف، من النازية والفاشية والصهيونية وصولا إلى القاعدة وداعش، جميعها نشأت محقونة بمثل هذه التصورات عن الإيمان أوالعرق السامي المنتخب من الله.

يوم 22 مارس صرح مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، لوكالة البث المسيحية (CBN) عن إيمانه بكون "الرب بعث الرئيس دونالد ترامب من أجل حماية إسرائيل من إيران". كما صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، للشبكة نفسها "إن الرب أراد أن يصبح دونالد ترامب رئيسا". وتؤكد وسائل إعلامية أمريكية بأن هذا التيار الدين-سياسي المحافظ كسب نفوذا هائلا داخل البيت الأبيض مع وصول ترامب للرئاسة، وبدأت تُعقد جلسات أسبوعية لأداء الصلاة المسيحية مع ترامب داخل البيت الأبيض منذ وصوله إليه.

الإنجيلية ــ كما يرد في موسوعة ويكيبيديا ــ حركة دينية متشددة ظهرت في أوروبا وأمريكيا خلال القرن الثامن عشر، تبناها العديد من المحافظين البروتستانت، تشدد على المعنى الحرفي لنصوص الكتاب المقدس الذي تعتبره المصدر الوحيد للإيمان وإدارة السياسة، وقد تطورت هذه الحركة في أمريكيا بما اكتسبه دعاتها المحافظون من شعبية، وأشهرهم: بيلي غراهام، الخطيب المفوه، ذو الهوى الجمهوري اليميني، الذي عمل كمستشار روحي للعديد من رؤساء أمريكيا من الحزبين.

حين بدأ غراهام (1918 ــ 2018) بإلقاء عدة محاضرات تبشيرية ودعوية في لوس أنجلوس بداية الأربعينيات، جذب انتباه أحد أقطاب الإعلام الأمريكي (ويليام راندولف هيرست) المعادي للشيوعية، فأرسل تيليغراف إلى محرري جريدته طالبا منهم "نفخ غراهام". وخلال خمسة أيام فقط تحول غراهام إلى ظاهرة إعلامية امتدت لجميع الولايات وجعلت منه بطلا قوميا. وكانت أولى حملاته في سبتمبر 1947 ، حضرها 6000 مريد، سماهم غراهام (الصليبيون) تيمنا بمحاربي الحملات الصليبية في القرون الوسطى، وكان الرئيس بوش الإبن يردد بعض عباراته في ترويجه لحرب الخليج الثانية.