Atwasat

التنوع الثقافي وثقافة التنوع

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 02 فبراير 2020, 11:56 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يجري الحديث كثيرا عن "التنوع الثقافي" وضرورة الحفاظ عليه، باعتباره ظاهرة ثقافية إنسانية تناظر التنوع البيئي في المجال الطبيعي الأحيائي. ومن هنا فالعمل من أجل محو التنوع الثقافي يعد عملا ضد مجرى الواقع.

ويتعلق التنوع الثقافي بمجال الآنثروبولوجيا، حيث يرتبط بثقافات الإثنيات المتواجدة ضمن نطاق جغرافي محدود واحد ويخضع لسيادة دولة محددة. فتقريبا لا توجد في العالم كله دولة تحكم شعبا متجانسا مكونا من قومية واحدة ودين واحد ومذهب واحد داخل هذا الدين. في ليبيا مثلا، التي يدعي كثير من أهلها التجانس، ثمة، أربع إثنيات كبيرة هي، على الترتيب، العرب والأمازيغ والتبو والطوارق، إضافة إلى بعض الإثنيات الصغرى. ومذهبان دينيان إسلاميانن أصليان، هما المذهب المالكي والمذهب الإباضي. ومن هنا فالحفاظ على التنوع الثقافي يرتبط، من الناحية السياسية، بالدمقراطية وحقوق الإنسان، ومن الناحية الفكرية والأخلاقية يرتبط بمبدأ "الاعتراف بالآخر" كشريك في الوطن يقف مع غيره من الشركاء الآخرين على قدم المساواة، بصرف النظر عن جنسه ولغته ودينه ومذهبه.

هذا المنحى، المعترف بوجود التنوع الثقافي ويدعو إلى الحفاظ عليه، يعد تطورا مهما في الفكر السياسي والأخلاقي، والممارسة العملية أيضا، وهو توجه عصري بشكل أساسي.

لكن يبدو لي أن ثمة وجها ثقافيا آخر، ودائما بالمعنى الآنثروبولوجي، لا يقل أهمية، هو ما أحب أن أدعوه "ثقافة التنوع". فإذا كان التنوع الثقافي يتصل بالعلاقة بين الإثنيات والثقافت المختلفة، أي يتصل بالبعد الأفقي، فإن ثقافة التنوع تتعلق بثقافة الإثنية الواحدة، أي بالبعد الرأسي داخل البنية الداخلية لهذه الثقافة. إذ بالإضافة إلى الاعتراف بالتنوع الثقافي العام، أي بشرعية اختلاف الآخر، ينبغي الاعتراف بالتنوع والاختلاف الداخلي الناشيء، أو الذي يمكن أن ينشأ، داخل هذه الثقافة ذاتها، وبشرعيته.

إن الجمود الثقافي الذي تنتجه وتعيد إنتاجه ثقافة ما يعتبر حالة غير صحية تعود على هذه الثقافة بالضرر. أما التجدد والتطور، بهذه النسبة أو تلك، فهو حالة صحية وطبيعية تنشط الحراك الداخلي لهذه الثقافة، من ناحية، وتمتن العلاقات التفاعلية مع الثقافات الأخرى، سواء على المستوى الوطني، أو العالمي، من ناحية أخرى. وهذا الحراك الداخلي أمر لا مفر منه، لذا فإن التكيف معه أفضل من مقاومته.