Atwasat

برلين الثانية.. خطوة أولى!

أحمد الفيتوري الخميس 23 يناير 2020, 06:29 مساء
أحمد الفيتوري

1-
كتب أدريان بيلت، المفوض (المندوب) السامي للأمم المتحدة في ليبيا، أثناء معركة الاستقلال الأول، في كتابه «استقلال ليبيا»، الذي صدر في أواخر ستينات القرن الماضي باللغة الإنجليزية، والذي يعكف الدكتور زاهي المغيربي هذه الأيام على ترجمته:
«كان القول الشائع، في العالم الغربي، في أوائل خمسينات القرن العشرين، أنه ما كان من الممكن أبدا، أن تصبح ليبيا دولة مستقلة، لولا انقسام القوى العظمى، ولولا مساعدة الأمم المتحدة». غير أن المؤلف يصل، عبر تقصي الوقائع، إلى نتيجة مختلفة إلى حد ما.
بالنظر إلى ذلك من منظور اليوم، فإنه يمكن الافتراض، بشكل آمن، أنه لو نجحت القوى العظمى، في الاتفاق على واحدة من خططهم العديدة لتقسيم ليبيا، لتأخر توحيد البلاد واستقلالها لعدة سنوات... بالطبع هناك درجة كبيرة، من التخمين في مثل هذا التعليل، الذي لا يبرر بالتأكيد الاستنتاج بأن استقلال ليبيا وسلامة أراضيها لن يتعرض أبدا للخطر في المستقبل. ولكن يمكن التوصل، بشكل آمن، إلى استنتاج محدد: أن أي تهديد لاستقلال ليبيا، من المحتمل أن ينشأ، من نزاعات سياسية أو اجتماعية محلية، تؤثر سلبا على وحدة البلاد، وتشجع التدخل الأجنبي، أو نتيجة لتحول رئيس، في توازن القوى السياسية والإستراتيجية، في البحر الأبيض المتوسط. وبحسبان أن مصدري الخطر المحتملين قاما بدور مهم أثناء الإعداد لاستقلال ليبيا، وقد يقومان بنفس الدور مرة أخرى، فإنه من الضروري تقصيهما تقصيا وثيقا.
2-
كتبت العام 2015: «في برلين تم ديباجة، هذه التراجيديا اليونانية، التي عرفت بأن نهايتها محتومة ولا مناص منها، فلا بد لأوديب، أن يقتل أباه وأن يتزوج أمه، حسب معبد برلين (دلفي ليبيا)». كان ذلك مما جاء في مقالة، كتبتها حول مؤتمر، عقد حينها في برلين حول ليبيا.
بعد سنوات خمس تقريبا، وبالتحديد 19 يناير 2020، عقد مؤتمر ثان ببرلين حول ليبيا أيضا، حيث الأول لم ينتج غير ديباجة، قبل أن يجف حبرها، ذهبت جفاء.
المؤتمر الثاني: شارك فيه وبدعوة من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، قادة ومسؤولون من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وتركيا، والصين، وروسيا، ومصر، والإمارات، والجزائر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي.
ونشرت الحكومة الألمانية، الإثنين 20 يناير 2020، على موقعها الإلكتروني، نص البيان الختامي لمؤتمر برلين، الذي انعقد الأحد، بالعاصمة الألمانية، ووقع على البيان الختامي المكون من 55 بندا، 16 دولة ومنظمة بجانب طرفي الأزمة.
المؤتمر الثاني، واجه قبل انعقاده، سيلا من التقديرات السيئة لنتائجه، أما عقب انفضاضه، فقد اعتبر أنه اختتم، على ما كان متوقعا، والكثير ممن لم يعقدوا عليه أملا، أكدوا أنه مؤتمر، على منوال سابقيه في باريس وباليرمو، أما وزير الخارجية الأميركية، فقد غرد من القاعة أن نتائج المؤتمر ستكون ضعيفة، فيما وكدت المستشارة الألمانية، قبل انعقاد المؤتمر، أنه سيكون خطوة أولى.
أولا: قد يكون مؤتمر برلين مؤتمرا استثنائيا، فيما واجهه من انتقادات، قبل انعقاده، وعقب اختتامه، وتعليقا على منتوجه.
ثانيا: البيان الختامي مكون من 55 بندا، ووقعته 16 دولة ومنظمة بجانب طرفي الأزمة، منهم أعضاء مجلس الأمن، ومنهم رؤساء دول كبرى، وجاء في 55 بندا مفصلة، وتتناول أغلب مرتكزات القضية المثارة.
ثالثا: لوحظ أثناء نقل مراسم الاستعداد للمؤتمر، فوضى ظاهرة، في نفس الوقت بينت صور فوتوغرافية، أن المؤتمر بدا كما خلية نحل، حيث في الصور، انقسم الرؤساء وأعضاء المؤتمر إلى مجموعات متباينة...
رابعا: المؤتمر سلطت عليه الأضواء، كما مؤتمر كوني لمسألة كونية، قبيل انعقاده وأثنائه، وعند انفضاضه، ودار لغط محموم، عبر الميديا، حوله وحول ما دار فيه، ثم حول نتائجه.
هذه الركائز الأربعة الشكلية، توضح زخما قويا، حاط المسألة الليبية، ثم تكثف حالة التباين والاختلاف حولها، وأن العالم بحاجة إلى وفاق ما، فالخطر محدق، والحروب الصغيرة، كرة ثلج تدق باب حرب كبرى. أما غياب الولايات المتحدة، فحاضر بقوة في العراق ولبنان، وإيران وكوريا الشمالية، وكأن الولايات المتحدة، الآن وهنا، قوى كبرى لخلق المشاكل وليس حلها، بالخصوص عند هذه الإدارة الشعبوية، ما تستعيد دور الشرطي الدولي، رغم كل الادعاءات.        
3-
يبين ما تقدم أن مؤتمر برلين الثاني، حمل بدور غير قادر على حمله، من جهة، ومن أخرى أنه تمت، المصادرة على المطلوب، وقد عنت أن نجاح المؤتمر في فشله، حيث نجح في جعل المسألة التي انشغل بها مسألة المسائل، وحيث فشل في وضع حلول سحرية.
وبين المؤتمر أن إرادة الانقسام أقوى من إرادة التفاهم، لكن الغلبة في الأخير، كانت لإرادة مواجهة دولية جماعية، باعتبار بينه اللقاء، أن زمن الانفراد بقيادة العالم قد ولى، وعل «بوتين» أراد من خلال هذه المناسبة، أن يكون عراب ما بعد انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم.
هكذا إذا كان مؤتمر برلين، بمناسبة دراسة وبحث حلول ممكنة للمسألة الليبية، له غاية مسكوت عنها، الصراع حول قيادة العالم. ولعل هذا ما أشاع، روح الإحباط حول المؤتمر، باعتباره لم يتقدم كثيرا، في المسألة الظاهرة، ما يراد مناقشتها.
ليبيا في هذا المؤتمر، كانت كما «جامع المختلف عليه».          
4-
كتبت سوزان رايس، السفيرة السابقة لأميركا في الأمم المتحدة، في مذكراتها: «الربيع العربي جاء إلى نيويورك»، ترجمة: علي جماعة علي، تقول:
(كان يوم القديس باتريك 2011، بينما كنا نتمشى، على غير هدى، على أرضية مجلس الأمن للأمم المتحدة، في انتظار جميع الأعضاء، للوصول والتصويت، كنت أدردش مع طاقمي وزملائي السفراء. عدد منهم كان يرتدي بتباه، ربطات عنق خضراء على شرف الأيرلنديين، بينما كنت أنا أرتدي سترة صوفية خضراء، لم يكن اللون عميقا، ولكن إلى حد ما زيزفوني «أخضر ليموني»، بالمصادفة كان يشبه إحدى درجات لون العلم الليبي. في دقائق قليلة، لاحظت أن ممثل جنوب أفريقيا الدائم باسو سانكيو، الرجل المكتنز الأصلع، كان غائبا، لم أشأ أن يبدأ التصويت، دون معرفة كيف ستكون نتيجته، لذلك اندفعت إلى باب المجلس، لأعترض باسو عند دخوله، في النهاية وصل، وبجرأة وقحة سددت عليه المدخل.
- «هل هناك تعليمات؟»..
أجاب: «نعم»، وبوضوح كان إلى حد ما ساخطا.
- «وما هي؟»، ألححت عليه.
«سوف نصوت بنعم»، قال ذلك، ولكن لا يبدو عليه أنه سعيد بشأنها، شكرته وأفسحت له الطريق).
موضوع هذا التصويت المهم، كان ليبيا، موضوع ساخن في جدول أعمال مجلس الأمن، مع مسائل أخرى، نجمت عن الانتفاضة الإقليمية، المعروفة بالربيع العربي.