Atwasat

الحيوان المجرم

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 19 يناير 2020, 02:04 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

الإنسان حيوان منتصب القامة، وهو أيضا حيوان ذو إبهام. وهذا الإبهام كان حاسما في عملية تطوره، لأنه مكنه من إحكام قبضته على الأشياء. وهو يُعرَّف بأنه حيوان عاقل، أو حيوان ناطق. كما أنه يمكن أن يعرف بأنه حيوان ضاحك. ويحلو لي أن أضيف بأنه حيوان مجرم، او إجرامي، أو أنه حيوان قادر على ارتكاب الجريمة. فالحيوانات الأخرى حين ترتكب عمليات القتل أو التعدي على حيوانات أخرى (وهي، على خلاف الإنسان، لا ترتكبها ضد بني جنسها) إنما تمارس حياة طبيعية ولا تشعر أنها، على خلاف الإنسان، ترتكب جريمة بالمعنى الأخلاقي. وإذن فيمكن تعريف الإنسان أيضا بأنه حيوان أخلاقي. ومهما كان عدد التعريفات الممكنة للإنسان، يظل عنصر الحيوانية لازما من لوازمه، وعنصرا بانيا في تركيبته.

التطور العقلي لدى الإنسان مكنه، من ضمن ما مكنه، من التحايل وانتهاز الفرص. وهو، ومرة أخرى على خلاف غيره من الحيوانات، يستغل هذه الفرص لإيذاء بني جنسه. فإذا ما غضننا النظر عن الحروب، التي يحاول فيها الإنسان إبادة، أو على الأقل استغلال، جزء من بني جنسه، يقوم هذا الإنسان بانتهاز الفرص لنيل مكاسب على حساب أعداد وقطاعات من الناس المنتمي إليهم. فيرفع التجار أسعار المواد والسلع الضرورية للمعيشة اليومية، في حالة نقص عرض هذه السلع في السوق وشحها، بل يخفونها أحيانا ويعرضونها بكميات بسيطة لرفع أسعارها. الأمر الذي يعني حرمان أعداد كبيرة، بمن في ذلك الأطفال، من الغذاء أو الغذاء الجيد وحرمانها مما توفره السلع الأخرى غير الغذائية من راحة وتسهيل سبل الحياة، ويقومون بتهريب البضائع من بلادهم وإليها، للإثراء. ويستغل البعض الظروف العصيبة التي تحل بغيرهم، كالاتجار في تهريب البشر في الحالة الليبية، وزيادة أسعار تأجير العقارات بشكل مبالغ فيه، كما في الحالة الليبية أيضا، أثناء الحروب ونزوح الأعداد الكبيرة من أماكن الخطر، استغلالا لفرصة حاجة هذه الأعداد الكبيرة من بني جنسهم ووطنهم ودينهم للمأوى.

لدينا، للأسف طبعا، مثال لا يقبل الدحض، عما حدث في يوليو 1977 أثناء الانقطاع شبه الكلي للتيار الكهربائي في مدينة نيو يورك بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ استغل البعض انتصاب قامتهم وقدرة القبض على الأشياء التي وفرها لهم إبهامهم وقدرتهم العقلية على انتهاز هذه الفرصة، فانتشرت الجريمة، حيث أحرقت المباني وجرح 550 ضابط شرطة، وقبض على 4500 ممن قاموا بأعمال سلب ونهب.

هذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن الحيوانات الناطقة والعاقلة جميعها تنتهز مصائب بني جنسها لتستغلهم وتستفيد منها، بل، على العكس، ثمة أعداد كبيرة تتطوع بتقديم الإعانات والخدمات للمحتاجين والمنكوبين، وتعينهم على مواجهة الصعاب.