Atwasat

أين ليبيا؟

أحمد الفيتوري الأربعاء 15 يناير 2020, 01:44 مساء
أحمد الفيتوري

1-

المسألة تخص ليبيا، لكن ليبيا مستبعدة، عند كافة أطراف المسألة الليبية، بل وعند كثير من الليبيين، فالهدنة الحربية في ليبيا مسألة تركية - روسية، وتعويض الشركات التركية والإيطالية، التي كانت تعمل في ليبيا ولها مستحقات، مسألة تفاوضية سياسية، تخص طرفا في الصراع على السلطة، وحتى مؤتمر برلين الثاني، المزعم عقده حول ليبيا، الأطراف الليبية غير مدعوة له، كما تسرب عن اللحظات الأولى للإعداد له، وغير ذلك من تفاصيل، حد أن بعض الليبيين يتحدثون عن العودة لما قبل 4 أبريل، ويا دار ما دخلك شر.

ما يبينه هذا أن الأطراف الدولية والإقليمية، كل يهمه مصالحه ونفوذه، وكأن ليبيا أرض لا شعب فيها، فيما الأطراف المحلية، يهمها نصيبها في الكعكة، ولأجل ذلك تبدو ليبيا، (كما بئر نفط)، يتعارك حولها ويتداعك، كل صاحب قدرة، وفي تقديري، أن هذا العروة الوثقي، للمسألة الليبية، أي استبعاد الليبيين جملة، وجعل المسألة حالة مكوكية، تتنقل من عاصمة إلى عاصمة، وتدار في الغرف المغلقة، وتتداول إعلاميا في الأخبار العاجلة، فكل لقاء، وكل اتفاق (اللا اتفاق)، بل وكل بيان عاجل.

لعقد تقريبا والحال هو الحال، مبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا، مهمته تسويغ الحاصل على الأرض، وتسويف للقبول بأن الحلّ اللا حل، ثم تهليل بهذا المؤتمر حول المسألة الليبية، ما يعقبه مؤتمر فاشل، وكل مؤتمر ولقاء كأنما مهمته اللا مهمة، وفي أحيان صبّ الزيت على النار.

والآن ليبيا كرة تنس، تلعب على الطاولة الدولية، بين اللاعبين/ اللاعب الواحد (إردوتين- إردوغان وبوتين)، فيما العالم يتفرج، كما الحاصل في سورية، حيث المهمة الأمريكية والأوروبية الغربية الدعم بالتصفيق، وهذا كحقيقة على الأرض، يحصل منذ أمد طويل، ولا جديد فيه غير العلانية، فهل تعد هذه العلانية، بالأهمية بما كان، حتى يجب أن تأخذ في الاعتبار، كمستجد هام في المسألة الليبية؟

2-
النجاح في استبعاد ليبيا، الحقيقة الجغرافية الدامغة، ليس نجاحا البتة، كما اعتبار أن الحل اللا حلّ، ومن هذا نتج أن شمال أفريقيا، وجنوب البحر المتوسط، قد أخذا يتحولان، لبؤرة على سطح صفيح ساخن، يكمل الحالة المتردية في الخليج العربي، وفي اللحظة التي يتم فيها الحديث، عن أن النفط ليس مسألة المسائل، يتم أيضا الحديث عن (غاز المتوسط) القابل للاشتعال.

لقد عادت المسألة الليبية بقوة، إلى أول السيناريو، فتصدرت المشاهد الدولية الساخنة، عقب مناورة (إردوغان) الناجحة، بتوقيع تفاهماته مع المسيطرين على (طرابلس الغرب)، ما تقدمته إعلان أمريكي مفاجئ، عن تدخل (بوتين) بقوة، في الحرب حول العاصمة الليبية، ما زحزح المسألة الليبية ليجعلها الواجهة، رغم الأخطار الدولية التي حشرت في الخليج، لكن ذا المتغير المهم، لم يخرج ليبيا كبلاد وشعب من حال الاستبعاد، فالانقلابات الحاصلة في المنطقة، ناتج عراك دولي مترادف بمخاوف إقليمية، المسألة الليبية فيه، بيدق متقدم في الرقعة.

وحتى الآن فإن هذا البيدق، رغم تقدمه في الرقعة، ليس مؤثرا وفاعلا، في عراك البحر المتوسط، ما استعاد أهميته، بفضل مكنة اشتعال غازه ليس إلا، خاصة وأن الأطراف الليبية والداعمة لها، ليس بيدها حيلة ولا حيل، غير أن يكون (محلك سر)، الانجاز الأكبر.

لكن لا تأتي الرياح دائما، بما تشتهي (رأسمالية الكوارث)، فالحروب الصغيرة ممكن أن تكون الشرر، ومن هذا تخوف الدول الكبرى خاصة، بأن ما تحت (الكنترول) وفي زمن (الدوت كم)، قابل للقرصنة، فإحداث ما لم يكن في الحسبان. هذا فقط ما نتصور أنه يعقل جموح (ترامب)، وبالتالي فإن ما يهدد العالم، من اندلاع حرب كبرى، قد يكون هو ما يمنح الدب الروسي، وظيفة رجل الإطفاء، للحرب الصغرى كما أنه مشعلها، فالتصريحات الأمريكية مؤخرا، عن التدخل الروسي في ليبيا، جذبت ومهدت الطريق للسلطان العثماني، وقبلها تصريحات لمسؤول أمريكي جاء فيها: أن أمريكا منحت سورية لروسيا، عند تفاقم الأوضاع في سورية الربيع العربي!.

وأخيرا، ليبيا حجر الأساس المنسي، ما تمنح العالم فرصة ثمينة، لدخول مرحلة ما بعد التهديد بالحروب، كما هي مؤشر إقليمي هام على أفول (الإسلام السياسي)، فقد حدث فيها انتخابات ثلاث نسيت، ولكنها حدثت، ووضحت ألا مستقبل لمشروع الدولة الدينية، ما يلفظ أنفاسه في إيران، وما يهدد دولة اليهود (إسرائيل).

ليبيا حجر أساس منسي، في بحر متوسط ولكنه قلب في عالم قديم، يعاد استحداثه، فالتاريخ يمكن نسيانه، لكن الجغرافيا لا يمكن نسيانها، حتى في عصر غزو الفضاء، والدوت كم، الجغرافيا القاعدة والإحداثيات اللازمة، لغزو كوكب آخر، أو للاتصال برواد الفضاء الغزاة.

ليبيا حجر أساس منسي، حتى وإن نسي، لا يمكن استبعاده إلا إلى أجل محتوم، كما أستراليا، حيث الحرائق تنبئ، بأن العالم لم يعد العالم ما نعرف.