Atwasat

تطبيع ما ليس طبيعيا

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 12 يناير 2020, 02:06 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

"التطبيع" مصطلح مُصنَّع عربيا، جرى تصنيعه بعد توقيع اتفاقية كامب ديفد المعروفة بين مصر وإسرائيل. وهو مصطلح غامض وعسير الفهم من ناحية انطباقه على هدفه المراد تطبيعه. وعندما ترجم إلى اللغات الأخرى ترجم بلفظة normalization المأخوذة من normal التي تعني أساسا "عادي" أو "معتاد" ولا تحمل معنى "طبيعي" إلا في حدود ضيقة. فالطبيعي يعبر عنه بـ natural المأخوذ من nature، أي طبيعة.

وإذن، فـ normalization عملية قسرية الهدف منها جعل ما ليس عاديا ومعتادا يأخذ صبغة الاعتياد والتعود. والتطبيع معاملة ما ليس طبيعيا (أي: الشاذ، المشوه، الغريب...) على أنه طبيعي.

فوجود إسرائيل على الأرض الفلسطينية أمر غير طبيعي، لأنها دولة مصطنعة تم تنصيبها قسرا وعلى حساب سكانها التاريخيين (بمن في ذلك الفلسطينيون اليهود) ولم تتكون نتيجة عوامل وتفاعلات تاريخية "طبيعية". إذ المعتاد والطبيعي، أن يوجد شعب (حتى وإن تعددت مكوناته) على أرض ما، إقليم، ومن ثم يقيم دولة. في الحالة الإسرائيلية تم تنصيب الدولة أولا، ثم جرى البحث لها عن شعب من مختلف أصقاع الأرض، بحجة أنهم يهود كان لهم وجود تاريخي على الأرض الفلسطينية. وهذه دعوى باطلة، وبطلانها يتمثل في اعتبار اليهودية قومية وليست ديانة فقط. أو أنها ديانة تختص بشعب معين. في حين أنها ديانة مثلها مثل الأديان الأخرى، كالبوذية والمسيحية والإسلام، لم تعد مقتصرة على مجموعة بشرية إثنية محددة. فالأرمن والأكراد، مثلا، شعبان بالمعنى الآنثروبولوجي. على حين أن اليهود والمسيحيين والمسلمين، أتباع ديانات وليسوا قوميات.

وإذن، إسرائيل مصنعة على أساس ديني عنصري استعماري، وعلى عكس حركة التاريخ، مثلما أشرنا أعلا ه.

من هذه الناحية، ليس التطبيع هو قبول العرب بوجود إسرائيل، وإنما تفكيك دولة إسرائيل ككيان عنصري استعماري، على غرار ما جرى في روديسيا (زمبابوي الحالية) وجنوب أفريقيا، وإقامة الدولة الدمقراطية.

في البداية، كانت الدعوة إلى التطبيع مقتصرة على الجانبين السياسي والاقتصادي، وهذا استجابت له عدة دول عربية. وفي العقود الأخيرة صرنا نسمع بالتطبيع الثقافي القائم على الترجمة من العبرية وإليها والمشاركات الفنية بين فرق موسيقية ومسرحية ومعارض مختلفة، في نشاطات ثقافية بين إسرائليين صهاينة ومواطنين من البلدان العربية، والتعاون بين جامعات عربية وإسرائيلية..

أريد أن أؤكد، في نهاية هذا المقال، على أن موقفي الرافض لإسرائيل لا ينبع من كوني عربيا مسلما، وإنما من كوني إنسانا "طبيعيا"، مثلما كان موقفي من النظامين العنصريين اللذين كانا في جنوب أفريقيا وزمبابوي، ومثل موقفي الرافض للغزو الأمريكي لفييتنام، ومثل تعاطفي مع الهنود الحمر والمواطنين الأصليين في استراليا ونيوزيلندا.

وإذن، لا يحتاج المرء إلى أن يكون عربيا مسلما كي يرفض وجود إسرائيل (ودائما أكرر: ككيان عنصري استعماري). بل يحتاج فقط إلى أن يكون إنسانا "طبيعيا".