Atwasat

المستقبل ليس امتداداً للحاضر

جمعة بوكليب الخميس 09 يناير 2020, 05:20 مساء
جمعة بوكليب

يبدو أنّه من خلال ما شهدناه، مؤخراً، من توالي أحداث مؤسفة، على المستويين المحلي والدولي، تجعلنا نعتقد أن لا فائدة تُجنى من إطلاق الأمنيات الطيبة تيمّناً بحلول عام وعقد جديدين. وكذلك لا فائدة ترجى من أدعية وابتهالات في عالم يستيقظ وينام على إيقاعات طبول الحرب، وسفك الدماء.

فما إن حلَّ العام 2020 وحطَّ برحاله بيننا، حتى انقلبت الدنيا رأساً على عقب وما زالت. ابتداءً بما حدث في العراق من اغتيال الجنرال سليماني وبداية دق طبول حرب قادمة، مروراً بهروب كارلوس غصن من اليابان وما أحدثه من ضجيج، وما سيحدثه من إرباك للبنان في علاقته باليابان، واستمرار الحرائق في أستراليا، والفيضانات في إندونيسيا، وانتهاءً بمجزرة طلبة الكلية العسكرية في الهضبة الخضراء.

عام جاءنا منذراً بما لا نحب ولا نشتهي، على رأس عقد زمني جديد، بشكل يستدعي، بطريقة ما، إلى أذهاننا المثل الشعبي الذي يقول «الربيع من فم الباب يبان».

المسافة الزمنية بين عامي 1920 و2020 مائة عام، لكن ما يعرفه الجميع أن عام 1920 كان علامة على نهاية أول حرب كونية مهلكة، وبداية انتعاش اقتصادي في أمريكا ودول أوروبا، وإحساس عام بارتياح بين شعوب الأرض بعد أربعة أعوام مضنية من انقشاع غيم حرب عالمية ضروس.

العقد الثالث من القرن العشرين، رغم بدايته الواعدة، انتهى بالعالم إلى ركود اقتصادي رهيب، تسبب في نكسات كبيرة، وكان من ضمن نتائجه الكثيرة أن اشتد التنافس الدولي بين دول العالم الصناعية على احتلال واستعمار مناطق نفوذ جديدة لضمان الحصول على موارد رخيصة لمصانعها، وأدى كل ذلك، مع غيره من العوامل، بعد قت قصير، إلى غرق العالم في دوامة حرب عالمية ثانية.

العام 2020، إذا فتحنا أمام أنفسنا أبواب التكهن، قد يكون – لا قدّر الله – بوابة لعقد قادم من حروب مهلكة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج العربي، وفقاً لما رصدنا من مؤشرات مبدئية. وقد يؤدي إلى تغييرات، على مستوى غير معهود، في الأنظمة السياسية. لكن كل ذلك يبقى في مجال التكهنات، ولا يخرج عنها.

التكهنات، مثلاً، بالطريق التي سيختار العالم السير فيها، خلال العقد الجديد، وبما تَبَدَّى من أحداث، مؤخراً، قد تشجع كثيرين على الوقوف في ضفة التشاؤم. لكن الحكمة تقتضي منّا التريث وعدم التسرع في إطلاق الأحكام، لأن التجربة الإنسانية أثبتت أن التكهنات، مثلها مثل المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة بالضرورة. وأن أكبر ما نرتكبه من أخطاء أن نفكر بأن المستقبل لن يكون سوى امتداد للحاضر. وبالتالي، فإن هذه التكهنات السلبية، بكافة أنواعها، لا تنقصنا. ويكاد يكون، مؤكداً، أن أغلب ما نشهده من تطورات، حالياً، قد تواجه الإخفاق، لأنها لم تتعرض بعد لما يجب من امتحانات الزمن.

هذا لا يعني عدم التعلم من دروس التاريخ. فالقرن العشرون الذي أرهق البشرية لكثرة ما أريق فيه من دماء وضعنا، جميعاً، أمام حقيقة واضحة يتجاهلها كثيرون وهي أن الأنظمة السياسية قد تتحول إلى أنظمة شريرة، بسرعة مذهلة.
وقياساً على ذلك، ومن زاوية مختلفة، يمكن القول إن السرعة العجيبة التي تتطور بها وسائل الاتصالات، وما في وسائل التواصل الاجتماعي من إغواء، قد تدمر ما نعتز ونفتخر به من قيم وفضائل اكتسبناها عبر التاريخ.
أنا، شخصياً، لن أتورط ، قصداً، في شباك غواية التكهنات بما سيحدث، لكني، مثلاً، سأجازف بتكهن يتيم، وهو أن التقدم التقني سيكون عماد هذا العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. وبالتأكيد، فإن تكهني هذا ليس ضرباً بغيب، ولكن بناءً على معطيات لا يمكن تجاهلها، ويمكن البناء عليها بما يناسب من تكهنات، أو الأفضل، والأصح افتراضات.

لكني، من خلال اطلاعي، في الأيام القليلة الماضية، من عمر العام والعقد الجديدين، قرأتُ سيلاً من تكهنات، تحت اسم تحليلات سياسية، ما يكفيني زاداً لسنوات أخرى. الغريب، أن العديد ممن تورطوا وجازفوا بهذه التكهنات، في أغلبهم، أناس غير معروف عنهم عدم النضج العقلي، أو قلة الفهم السياسي. لكني فوجئت، شخصياً، بمدى الخلط، لدى كثيرين منهم، بين التحليل السياسي الرصين، والتكهنات. أضف إلى ذلك، أنهم فريقان: واحد حريص على التفاؤل وآخر متشائم. وما أعرفه، وأفهمه، أن العلاقات بين دول العالم لا مكان فيها إلا للمصالح والمنافع المشتركة. وأن التفاؤل والتشاؤم لا محل لهما في الإعراب في عالم بأنياب نووية، وبأطماع تزيده نهماً وجشعاً كل يوم، وبقادة لا تنقصهم الرعونة، ولا يفتقدون عدم امتلاكهم المرونة والحكمة.

وإذا كان حقاً «أن الربيع من فم الباب يبان»، مثلاً، ومثالاً يستحق منّا، في هذه الحالة، الاستشهاد به، فأنا سأكون أحرص على استخدامه في أمور أبعد ما تكون عما سيحدث في العقد الجديد من أحداث وتطورات سياسية، لسبب بسيط وحقيقي، ويستحق التذكير، مرةً ثانية، وهو أنه من الخطأ التفكير بأن المستقبل سيكون امتداداً للحاضر.