Atwasat

في البدء كانت ليبيا

أحمد الفيتوري الثلاثاء 07 يناير 2020, 01:58 مساء
أحمد الفيتوري

في البدء قتل الأخ أخاه، تقول الميثولوجيا الدينية، وأن القاتل من كان أس البشرية، لكن منذئذٍ لم تلتفت البشرية إلى الخلف، بل تطهرت بالسلام، من حروبها التي لم تتوقف، ويبدو أنها لن تتوقف، حتى يبان الخيط الأبيض من الأسود، في هذا الأفق يمتزج السلم بالحرب، فيكون السلم، بمثابة الحرب على الحرب.

في البدء كانت ليبيا، في هذا الأفق، بر الحرب، فتوجب أن تكون أرض السلام، ولهذا في الأسطورة الليبية المحض، وكما جاء على لسان هيردوت، أن الليبيين الشعب المحارب القبلي، من لم يرضخ لحروب الطبيعة، ما جنودها ريح القبلي/ ريح السموم، هذا الشعب، من اتخذ من الصحراء الليبية، الملاذ، عزم على أن ينبتها الحياة، القاسية والصعبة، لكنها الحياة ما تُناهض الموت، كما نبات العوسج، والضب عنقاء الصحراء، ما تعويذته الترفاس، بقطرة ماء يشع ويترعرع، .... من هذا، بهذا، وغصبا، في البدء كانت ليبيا.

جاءها الغزاة، من لم يكونوا، في مقدرة ذرة قبلي، فذهبوا عنها، وبقت حتى قيام الساعة، هذه الأسطورة البشرية، كما تعينت، هنا والآن، في أرض محاربي القبلي، هذه الأسطورة الإنسانية، كتبها في سفر طائل، الصادق النيهوم، إبراهيم الكوني، أحمد إبراهيم الفقيه، محمد الشلطامي، محمد الفقيه صالح، القوى الناعمة الليبية، صناع السلام، في مواجهة، صناع الحرب.
لنصف قرن خلونا، صناع الحرب، يزرعون، يروون، ازدهار الخراب، وفي مواجهتهم، القوى الناعمة الليبية تكون، فيحصد الزراع الخيبة، وهذه الأيام، وليبيا تحت طائلة، هبوب ريح القبلي، لا تألوا القوى الناعمة، أن تعيد كيدهم لنحرهم.
يتأبطون شراً، بالبلاد التي حاربت القبلي، منذ أول الخليقة، وانتصرت عليهم في كل مرة، خرجت من محنتها، وإن طالت فأدمتها، ففي البدء كانت ليبيا الكلمة الأولى ومسك الختام.
في القول المأثور: إن من كتبت عليه خطى مشاها، ويمر اليوم كما مر قبل ما يشبهه، وما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم: فريحة البركاوي، سلوى بوقعيقيص، الحصائري، أسماء لمسمى يدعى ليبيا، فيه النساء القوى الناعمة، عناد وعناق الحياة، فجميعهم أخوة الحياة من مات، ومن يحيا مقدام في مواجهة رياح القبلي.

لهذا، كما كانت في البدء الكلمة، كانت ليبيا، روح الحياة، لا تنأى ولا تستسلم، ليس كلغوِ القول، أو ثغاء الحملان، بل كشمسها الضارية، غزالة تعدو في الصحارى الكبرى، رشيقة كقوى ناعمة، كأشواق على الرقيعي، كصلابة خديجة الجهمي، كسرديات خليفة التكبالي، في الليالي الشتائية الدامسة، كالحقيقة البازغة من اكليم الكلم.

لا أقول القول على عواهنه، ففي اللحظة الاستثنائية، القول/ الفعل، كما في البدء كانت الكلمة، الكلمة القول الفصل، أن في البدء كانت ليبيا، وكما كانت تكون، فيجب ما يجب، سأهبك غزالة: تقول ليبيا للعالم، ليبيا الغزالة المطاردة، من صائدي، السلطة، النفوذ، المصالح، من كل اللصوص، القتلة، من أرومتها، من متعددي الجنسيات، من كل فج غميق، من كل حدب وصوب.

ليبيا صوب خليل، لحظة رومانتيكية في واقعية فجة، أيقونتها عمر المختار، حقيقة ماضية في المستقبل، زرعت فحصدت المستحيل، في اللحظات العصية الصعبة وغير الممكنة، فكيف بها الساعة، وإن كان لكل فارس كبوة، الفرس المختار، أصابتها قبل كبوات، فنهضت.

كمثل تلكم الساعة تتداعى على القصعة كل الكائنات النهمة، لكن الساعة قيامة ليبيا ما كانت في البدء، أو كما يقول المثل: الشامي شامي والبغدادي بغدادي، لقد تحصحص: «إن ما كبرت ما بتصغر»، كل هذه الأحلاف، الجيوش الكبرى والصغرى، تدل على أن المدلول كبير عظيم، أن لا بد من ليبيا وإن طال المدى.

معنى المعنى: إن ليبيا حجر الأساس المنسي، يعود إليه أهله، من غيبة قسراً، لخمسين سنة خلون، فيتنبه إليه النابهون والطامعون، وكل إليه ينبه، الحجر الأساس ما ركن، ليبيا الصحارى الكبرى، عند تصحر العالم، الحجر الأساس، لمحاربة جيوش القبلي/ ريح السموم.

«نص انصيص»، مسرودة الطفولة الليبية، استيقاظ الطفولة من غفوتها، وكل إلى ما استطاع إليه سبيلا، ليبيا كانت في البدء، سبيل السابلة، في عالم اليوم يتذكرها العالم، شعلة لا تنطفيء، في عالم المتوسط، ما تنبثق من رئتيه نار غاز، يشعل العالم ببرد الحرب، لكن أيضا يوقظ العالم، أنه بالإمكان أبدع مما كان، أن يكون المتوسط دفء عالم، في لحظته الاستثنائية، في شتائه القمطرير.

في البدء كانت ليبيا، وحين اختلاط الحابل بالنابل، تكون حسن الختام...