Atwasat

نبضات متقاطعة: 16- نوادي بنغازي الرياضية، وأشياء أخرى.

محمد عقيلة العمامي الإثنين 06 يناير 2020, 01:19 مساء
محمد عقيلة العمامي

يتفق رواد الفكر الإنساني كسقراط، على سبيل المثال، الذي ينصح بالمزج بين الطبيعة الروحية والبدنية لتنشئة صالحة للفرد. وإيمان أفلاطون بضرورة ممارسة الرياضة، وتأكيد أرسطو على أن مكون العقل من جسم وروح. والدين الإسلامي، هو مرجع الدولة السنوسية، ولذا لم يغب عنها ضرورة تعليم أولادهم السباحة والرماية وركوب الخيل.

ولكن لم تكن الرياضة فقط، هي غايتهم، إن الذين عايشوا قيام المملكة الليبية يعون جيدا أن بذور جهدها في أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات في تأسيس الدولة بدأت تتفتق العام 1965. ولعل هذه البذور أوجزها الباحث الأستاذ سالم الكبتي، وهو من معاصري قيام دولة ليبيا وشاهد مثلي على تفتقها، ولأنني وجدت في مقالة له عنوانها: "15و15 بينهما 1965" نشرها يوم 4/ 1/ 2015 بموقع ليبيا المستقبل، تلخيصا للحال الذي أود أن أتناول من خلاله تداعيات الطفرة، ولذا سأنقله إليكم كما هو، قبل أن أتحدث عن تداعيتها وتأثيرها في المجتمع الليبي بصفة عامة، وأيضا في بنغازي حيث عايشتها عن كثب. يقول الأستاذ سالم الكبتي:

"... يُعلن عن مشروع إدريس للإسكان، ويصدر قانون البترول الشهير.. وتشارك ليبيا في الدورة الرياضية العربية الرابعة ويتم اختيارها لاستضافة الخامسة صيف 1969.. ولم يحدث ذلك بسبب نكسة 1967 ثم نكسة 1969 فى ليبيا. وتشرع الدولة في بناء المدينتين الرياضيتين.. واحدة في "سبخة السيلس" والثانية فى قرجى. وينفذهما عثمان أحمد عثمان. وصيف ذلك العام يبداْ كشاف ليبيا فى بناء مرافق غابة (جودايم) تطوعا لاستقبال المخيم العربي السابع صيف 1966" وينوه إلى أن تنفيذه ما كان ليتم لولا الإرادة الوطنية، البعيدة عن الجهوية أو القبلية أو العنصرية. ويشير إلى أنه في العام 1965 تم تأسيس الخطوط الجوية الليبية. وتنطلق، أيضا، وكالة الأنباء الليبية. "... وستتخرج الدفعة السابعه من الكلية العسكرية فى بنغازى فى 9 أغسطس. عدد أفرادها (47) ملازما. كان صاحب الرقم (21) فيها أحدهم ويدعى معمر بومنيار القذافى الذي سيتوجه صوب الإذاعه مع أنصاره ويخبط بابها بغدارته ورجله ويعلن أيها الشعب الليبي العظيم. وسينشر الصادق النيهوم أولى بداياته فى صحيفة الحقيقة. رسائل جميلة وقصيرة إلى صديقه رشاد الهوني. يغدو لاحقا كاتبا مهما يثير الغبار وستغدو الحقيقة آخر العام ذات مطبعة خاصة في الحميضة وستصدر يوميا اعتبارا من العام التالي 1966. سيصدر عبدالقادر طه الطويل صحيفته الريبورتاج التي تصبح بعدئذ (الرأي العام). ستغلقها المحكمة المعروفة مع زميلات أخريات. وسيطور فاضل المسعودى صحيفته (الميدان) لتصدر في اثنتي عشرة صفحة أسبوعيا. وستكون صوتا وطنيا للمثقفين والكتاب وأصحاب الرأي. وستهتم الدولة بالشباب.. في الأندية الرياضية وتوجههم للتنافس فى النشاط المتكامل. برامج في العمل التطوعي وخدمة البيئة والمجتمع والثقافة.. ليس ثمة مليشيات. أو أحقاد. أو صراعات. بل حلم متواصل بالوطن رغم السلبيات والاختلافات. وسيلقي خليفة الفاخري ضمن ذلك النشاط محاضرة عن المتنبي الذي شغفه حبا ويصدر مع زملائه.. محمد كانون ومفتاح الدغيلى.. وغيرهما صحيفتين حائيطتين.. (الرأي) و(المتنبي). حبات عرق للشباب بين جدران الأندية وحماس وحب. وإصدارات تنوعت.. خليفة التليسي سيصدر رفيق شاعر الوطن ومحمد بازامة ليبيا هذا الاسم فى جذوره التاريخية (ليبيا كانت دائما الحلم) وكامل المقهور 14 قصة من مدينتى. تحوي تاريخا وتوثيقا للحياة في طرابلس في سنوات مضت. شهدها المقهور وجيله تلك الأيام. وعبدالله القويري سيصدر.. مسرحيات وقصصا.. الجانب الوضيء والشعاع والفرصة والقناص وقطعة من الخبز وكلمات إلى وطني. وعبدالله الخوجه يصدر أقصوصاته (فتاة على رصيف مبلل).. أول من طرق باب القصة الومضة فى ليبيا ويوسف الشريف سيصدر الجدار وسيشرع أنيس السنفاز في نشر قصصه الجميلة فى الحقيقة.. أحلاها.. قصة (الزميلة) ثم تتوالى بقية الحلوات!!"

ما أولته الدولة الليبية من رعاية حقيقية للرياضة، تمثل في البداية بدعم النوادي الرياضية، التي لم تنتظر في الواقع هذا الدعم حتى تباشر ناشطها، بل كانت من البداية مهتمة بالشباب وحاجة الدولة الوليدة إليه، وقد يكون النادي الأهلي هو أول هذه النوادي، وإن كان لها فيما بعد رأي فيه تطور حد إغلاقه! فهو وليد جمعية عمر المختار، بعدما أن ترأسها الرمز الوطني الشهير الشيخ مصطفى بن عامر، سنة 1943 فكان نواة ومنبرا لتحريك الشارع وقت الحاجة، وهذا ما كانت ترفضه، فالحال والحاجة لها ضروريات قد لا يدير دولة كانت ثالث أفقر دول العالم. لقد أسس الرجل الوطني مصطفى بن عامر، مع رفاقه النادي الأهلي، ويعود إليه الفضل في تأسيس الملعب الأهلي، الذي أصبح ملعب 24 ديسمبر من بعد حل الجمعية، وهو ملعب نادي النصر الحالي، والتف شباب بنغازي حول هذا النادي، فكان أداة له يحرك بها الشارع في مواجهة ما يراه لا يتوافق مع مصلحة الوطن ووحدته، ولذلك وجدت له الدولة الأسباب التي تمكنها من إقفاله، ولكن قادته، ولعل أبرزهم الأستاذ طالب الرويعي، واصلوا جهدهم حتى افتتح من جيد، وظلت مسيرته حتى زمن جماهيرية القذافي، فأعاد التاريخ نفسه، إذ أقفل، بل وهدم أيضا، ولكنه ظل كالعنقاء يولد من جديد، ولا أبالغ إن قلت أنه كان من مسببات إسقاط نظام القذافي، إذ لم ينس الأهليون أن الساعدي ابن القذافي هو الذي امتطى جرافة وهد ناديهم أمام أعينهم، ولذلك لم يقبل الشباب وساطته في إنهاء انتفاضتهم التي انتهت بسقوط النظام. أنا أقول ذلك على الرغم من أنني (هلالي) ولست أهلاويا، وإن كنت قد وددت أن أنتمي إليه من بعد المشكلة التي ترك من أجلها علي الشعالية ومحجوب بوكر نادي الهلال، ولكنني لم أجد ترحيبا من بعض الأوصياء على إدارته! وهذا لا يجعلني أبدا أحجب كلمة في حق هذا النادي العريق.

وتواصل تأسيس النوادي، وإن استقر عددها في بنغازي خلال ستينيات القرن الماضي إلى: الأهلي والنجمة والهلال والتحدي والتقدم وهو الذي أصبح النصر، وإن ازدادت بعد ذلك ولكن موضوعي هذا مهتم بفترة منتصف الستينيات، وفي منطقة بنغازي تحديدا.

كانت الدولة الوليدة ساهمت بالمشاركات الدولية ولكن هذه المشاركات لم تدم، بالصورة المرجوة بعد سقوطها. غير أن تظاهرة النشاط المتكامل في الأندية الرياضية، التي نظمتها سنة 1965، والتي جمعت ما بين الأدب والثقافة والتنافس الرياضي، كان لها الأثر الفعال في استقطاب الشباب نحو هذه النوادي، وعزوفهم عن مغبات الفراغ والضياع، وفوق ذلك الاهتمام الواضح بالثقافة. في الحلقة الموالية سنتحدث عن هذا الموضوع من خلال مناشط النشاط المتكامل.