Atwasat

كعكة برلين الليبية

نورالدين خليفة النمر الأحد 29 ديسمبر 2019, 01:18 مساء
نورالدين خليفة النمر

تتوزع إجازات مواد دراسة علم السياسة الجامعية في ألمانيا أنماطاً منها : الامتحان التحريري والشفوي، وكتابة بحث في مادة من المواد المقررة، والورقات البحثية المرفقة بأعمال الفصل وهو مادرجنا عليه في دراستنا الليبية حتى حصولنا على الماجستير في الفلسفة، مايزيده الألمان كتابة محضر نقاش لما دار في الدرس الأسبوعي، أو عرض الموضوع مرفقاً بوسائل إيضاح لموضوعة البحث أبرزها البيانات والجداول والإحصائيات والأشكال البيانية المدلّلة. وكل الخدمات التي قدمها الكومبيوتر ببرنامج وورد للكتابة. في عام 1998 انفتح علينا الإنترنت ببرامج بحثه وأبرزها القوقل. الذي صار مع الوقت يوّفر إرشيفاً من صور الأخبار يستطيع المرء عبر برنامج الرّسام أن يرتبها بطريقة معينة، ويتدخل في تغييرها للتعبير بالصور بما يعين على الكتابة أويغني عنها.

اصطنعتُ شكلاً مصوراً بصفحتي على الفيس بوك رتبّت فيه تصوري للبلدان الفاعلة المتوّقع حضورها في مؤتمر برلين المرتقب لحل الأزمة الليبية. بدأته بصورة المضيّفة المستشارة الألمانية وقد لمّحت بإبهام يدها اليمنى بإشارة تشجيع داعمة لضيوفها المحتملين. تحتها في الترتيب صورتا رئيسي إيطاليا وفرنسا الذي سلّم بيد ولمح باليد الثانية بإشارة التشجيع لنظيره الإيطالي. وفي المرتبة الثالثة الرئيس الروسي يتسمّع بأذنه لوشوشة الرئيس التركي وفي نهاية الترتيب وزير خارجية الولايات المتحدة يدس في جيب سترته ورقة هامّا بالخروج ربما من نقاش أو حوار بندوة أومؤتمر. لورجعنا إلى عام 2011 وتأملنا بالذاكرة في اندلاع ثورة قسم من الشعب الليبي مُطالباً بتحرره من ربقة الدكتاتورية. ولو نظرنا في ترتيبنا لوجدنا هذا الشكل الذي رتّبنا به الصور ملائما لتمثيلية الدول التي تعاطت مع الحدث الليبي، بما يغني عن الحاجة لدول أخرى تدخل الكادر. فألمانيا منذ بداية تسعينات القرن الـ 20 لم تعُد لها مصالح قوية في ليبيا فما اهتمت بالتغيير في ليبيا. واليوم تستضيف المؤتمر بمسؤوليتها عن تدفق الهجرة الأفريقية عبر السواحل الإيطالية لبلدان الاتحاد الأوروبي. وهذا الهدف لايتأتى إلا باتفاق إيطالي ـ فرنسي حول ليبيا. فرنسا ترى نفسها هي التي حسمت بتدخلها الجوي إزاحة النظام الدكتاتوري الليبي عام 2011 وأنها جرّت بريطانيا التي لم يعد يربطها بليبيا إلا رمزية انتدابها عليها بعد الحرب العالمية الثانية وأمريكا المترددة، التي انتهت ليبيا موقعاً إستراتيجياً من اهتمامها عام 1970 الخطوة الأولى لبداية إنهاء إستراتيجية حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي التي انتهت بنهايته بداية تسعينيات القرن الـ 20. فرنسا تبدو أمامها إيطاليا المنافس بدون مصداقية سياسية في الثورة الليبية لطموحها في توسيع مصالحها. فقد وقفت إيطاليا موقف المتفرج من الثورة الليبية عام 2011 . فكل ما بغته من مصالح اقتصادية من ليبيا حصلت عليه مُضاعفاً طوال الـ 40 عاماً من النظام الدكتاتوري الساقط، وفي حالة انهياره فإن أي نظام جديد في ليبيا سيضع مصالحه بالتوافق مع حصة المصلحة الإيطالية الكبرى والقارّة في الاقتصاد الليبي.. ننزل إلى المرتبة الثانية في سلّم المصالح الأجنبية في ليبيا متتبعين الترتيب في شكلنا التقريبي. فالصورة الثالثة تعبر عن صفقة روسية ـ تركية في ليبيا. روسيا إلى جانب مصالحها الاقتصادية المحدودة ستغتنم فرصة استئناف إعادة تسليح الجيش الليبي الذي سيستعاد من قبضة الميليشيات السائدة في شرق ليبيا وغربها. أما تركيا لخبرتها الطويلة في ليبيا ستتلقف فرصة إعادة إعمار سنوات خراب الإهمال في العهد الدكتاتوري، ومادمرّته حرب إسقاطه وبعدها منذ عام 2014 الحروب الأهلية حتى بمسماها في الشرق الليبي بالحرب على الإرهاب. في الثنائية الثالثة يبزغ الدور الأمريكي في تحضير الكعكة الليبية لتقاسم مصالح الآخرين في مؤتمر برلين المزمع عقده في موعد مفتوح على التطورات العام 2020. فأميركا لا مصالح لها في ليبيا، وآخر محاولة جمهورية مغايرة لتصور الديمقراطيين الأميركان باستعادة الاهتمام الستيني الأمريكي بليبيا، وأدها قبل ولادتها الحدث الإرهابي الذي ضلعت فيه مجموعة إسلامية متطرّفة والذي طال القنصلية الأمريكية في بنغازي، وأودى عام 2012 بحياة سفيرها. وكان الحادث أحد المسامير التي اندكت في نعش الحزب الديمقراطي ليخسر الانتخابات أمام المرشح الجمهوري ترامب المضاد حتى لبعض النوّاب الجمهوريين الذي يتبنون الإبقاء على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية كشرطي أو إطفائي لحرائق النزاعات في النقاط الساخنة في العالم، وبالذات في العالم الثالث.

ولكن هل نطلق مع صحيفة الوسط اسم "الحضور الملتف" عنواناً للبروز المصالحي الروسي والتركي في ميدان الصراع الليبي قبل مؤتمر برلين. وهل نعتبره التفافاً على الترتيب الألماني للمؤتمر الليبي الذي تمّ بالنسيق الكامل مع أمريكا.

الذي يتتبع سياسة وزارة الخارجية الأمريكية في الملف الليبي من 2011 إلى 2019 يتبدى له الاهتمام الأمريكي بليبيا في مسألتين أساسيتين: أن لايساهم النزاع الانقسامي الليبي - الليبي في أن يكون توطئة للإرهاب الإسلامي، وأن لايساهم في زعزعة تدفق النفط الليبي، وإخراجه من الحسابات الاقتصادية الدولية القارّة التي تأسست عليها عام 1960مبادئ منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك". المسألة الثالثة على هامش المسألتين الأساسيتين أن لايُسمح لروسيا بوجود عسكري واستخباراتي حتى ولو مغلّفا بشركة مرتزقة معلنة في ليبيا يسمح لها بتمديد نفوذها في أفريقيا. وأن تكون التمددات الروسية شوكة في ظهر البلدان الأوروبية وبالذات الغرب متوسطية. لإعاقة هذا الطموح تم التأشير بذلك لتركيا وكيل أمريكا الإقليمي الفعّال في النزاعات الشرق أوسطية للدخول في منظومة تفاوض المصالح والأطماع مع روسيا في الكعكة الليبية التي يتم تحضيرها في المطبخ الألماني.