Atwasat

كل عام جديد وأنتم بخير

جمعة بوكليب الخميس 26 ديسمبر 2019, 12:28 مساء
جمعة بوكليب

اقتربت الساعة، وبدأ العد التنازلي، لآخر ما تبقى من أنفاس في رئتي العام 2019، فماذا تنتظر؟ استعد لخلع جلده اللزج من على جسدك، وهيئ ناراً حامية لإحراقه، لعل ما علق به من آثار سهام وجروح ، وما تركت الأيام فوقه من قروح ، تذوب في لهيب النار، ويتطاير دخانها في الهواء. هيئ جلداً آخر، جديداً، مصنوعاً من أحدث ما أنتجته تقنية صناعة الجلود. ومن الأفضل أن تكون خامته من جلد التماسيح.

أنت، الآن، وصلت مرحلة عمرية، هشة بدنياً، وتتطلب جلداً خشناً، واقياً من سهام الزمن، ومستورداً من مستقفعات أحراش أفريقيا، حيث التماسيح هناك، بجلود أكثر صلابة من الصخر، وبأحجام هائلة، ودائماً جائعة، وعلى استعداد أن تبتلع غابة من البشر في لقمة واحدة. فصل الجلد على نحولة مقاس بدنك، وارتباك نبضات قلبك، بتؤده ودقة، وبخره بكل ما لديك من أنواع الأبخرة، وأتلُ عليه ما تبقى في ذاكرتك منقوشاً، ومحفوظاً من تقلبات الزمن، من ابتهالات ودعوات أمك، على أمل أن تقيك، مما يستعد العام الجديد ليرميك به.

أنت، تدرك تماماً، أنك، بعد نهاية كل عام، تبتعد مسافة عام زمني عن مرابع طفولتك، وصباك، وسهول شبابك، وتقترب سريعاً، مسافة عام آخر، من تخوم آخر جملة قد تختم بها آخر قصائدك، قبل أن تطلقها، في سماء الدنيا، كصيحة آلم أخيرة، أو تلويحة وداع نهائي، إلى عالم لم يعد لك فيه ما تضيف، ولم يعد لديه ما يبهجك، ويعيد إليك ما سرقه منك من فرح، علناً، طيلة سنين طويلة.

كل عام جديد وأنتم بخير.
لا تنسوا أن الأعوام كالبشر ليسوا سواء. هناك أعوام طيبة، تتعثر بها فتهرع إليك جزعة، وتمد لك يديها الاثنتين، لتمسك بهما، ولتنهض، ولتقف على قدميك مجدداً، ولتواصل طريقك. وهناك أعوام شريرة، لاتحتاج إلى مبرر، أو عذر، أو سبب لتقذف بكامل ثقلها عليك عدواناً، بغرض أن تسحق عظامك. العام 2019 إحداها.
عام جاءنا محملاً بحمولة ثقيلة من الهم والكدر. لم نرَ فيه، نحن الليبين، شعاعاً من ضوء، ولم تهب علينا ولو ريشة من جناح الرحمة. ولم يمر بنا، حتى عرضاً، فرح صغير، ونحيل، وقادر على إدخال شيء من بهجة وتفاؤل وسرور على ما تراكم مترسباً في قلوبنا من «قهاير» ومن آلام، وما نزف من بلادنا من دماء، شوما خسرنا من شبابنا لصالح الموت، وما تذوقنا من مرارات.
لذلك كله، وشماتة في العام 2019، يجب علينا جميعاً أن نخرج في آخر يوم منه، لكي نتأكد من أنه أولانا ظهره، لكي نقذف خلفه ليس فقط بسبع حجرات، بل بكل أحجار الأرض، على أمل أن «ينتلف» مع شروره، ونحسه، ونتنفس الصعداء.

كل عام جديد وأنتم بخير
يا أهل الهوى. أيها الحالمون بدنياً أقل سوءاً وشروراً. وأنتم يا أهل الخير، أينما كنتم وحللتم. يا أصدقائي الذين أسرفوا على أنفسهم حباً بأوطانهم، فرحلوا وتركوها وراءهم، مغمورة في دم الضحايا. أيتها الجميلات العاشقات، أينما كنتن. أيها الطيبون الذين لم يتركوا حجراً إلا قلبوه بحثاً عمن في حاجة إلى كلمة طيبة، ومن حاجة إلى عون. يا أطفال بلادي الذين تبددت طفولتهم في وديان الخوف هرباً من الموت بالقذائف والصواريخ. أيها الأصدقاء الذين تمددت أحلامهم على أرصفة المدن الغريبة، بلا حراك، وبعيون مفتوحة. أيتها المرأة التي أحببت، ذات وقت، وسرقها مني الزمن.
انزعوا أثواب أحزانكم، وألقوا بها في لهيب النيران، وارتدوا، بديلاً عنها، أثواب الأمل. التحفوا بالإيمان بغد أفضل، وبعام أبهى، وانسوا آلامكم، وما قاسيتموه، وازرعوا الضحكات في وجوهكم وعيونكم وقلوبكم لكي يموت حسرة كل أولئك الذين أحالوا حياتنا إلى جحيم، وبلادنا إلى دمار، وبحرنا إلى مقبرة.

كل عام جديد وأنتم بخير
يا أمي التي تنتظر عودتي بفارغ الصبر والحب. يا أخوتي الذين هرموا قبل أوانهم. يا أحفادنا الذين جئنا بهم إلى الحياة، ولم يروا حياة. يا من تبقى نابضاً حياً في قلبي من أحلام. أيتها العصافير التي أكل الإسمنت والكونكريت أكنانها، فظلت لاجئة، تحوم في سمائنا كإشارات استفهام. أيها الواحلون في طين الوقت، لا تيأسوا. أيها العاشقون، في كل حنايا البلاد التي انتكتها الحرب، سوف يجيء النهار الذي تشتهون. أيها المغامرون من أجل خير الإنسان، واصلوا المسير نحو آفاق المحبة والعلم والسلام.

أيها القلب، قلبي، واصل السير في طريق يقودك، يوماً ما، قبل توقف نبضك، إلى ما تشتهي من أنخاب الحب.
أيها الوطن، وطني، كن بخير وأمان.
كل عام جديد ونحن جميعاً بألف خير.