Atwasat

بريطانيا: الحسم الأخير لمعركة الخروج

جمعة بوكليب الخميس 19 ديسمبر 2019, 12:24 مساء
جمعة بوكليب

منذ صيف 2015 وحتى شتاء 2019، أي في فترة زمنية أقل من خمس سنوات، شهدت بريطانيا ثلاثة انتخابات برلمانية، فاز فيها كلها حزب المحافظين.

في الانتخابات الأولى العام 2015 تمكن المحافظون بزعامة ديفيد كاميرون من الفوز بأغلبية برلمانية عاملة، ساعدتهم على التخلص من عبء الائتلاف الذي دخلوه بعد انتخابات 2010 مع حزب الأحرار الديمقراطيين، وتشكيل أول حكومة محافظة منذ 1997.

الانتخابات الثانية كانت في صيف 2017 بعد سنة من استقالة ديفيد كاميرون، لدى خسارته في استفتاء الخروج في صيف 2016، وتولي السيدة تيريزا ماي القيادة. وبعد أقل من عام على توليها، أعلنت إجراء انتخابات عامة بغرض تحويل الأغلبية البسيطة العاملة إلى أغلبية مسيطرة. لكن الرياح سارت على عكس ما تشتهي وخططت، وأدت إلى تقليص تلك الأغلبية بشكل أجبرها على الدخول في تحالف برلماني مع حزب الاتحاديين الديمقراطي، من أيرلندا الشمالية. وكانت النتيجة النهائية أنها أجبرت على مغادرة كرسي الزعامة صيف 201، ليحتله بوريس جونسون، الجائع إلى السلطة.

الانتخابات الثالثة، والأخيرة، جرت الأسبوع المنصرم، وأطلق عليها اسم انتخابات الخروج. وتمكن المحافظون بزعامة بوريس جونسون من تجاوز كل العقبات وخرجوا منها ظافرين بأغلبية برلمانية 80 مقعدا، وهي أغلبية برلمانية حرموا من تذوق طعمها منذ انتخابات 1987 التي قادتها السيدة مارجريت تاتشر، وكانت آخر انتخابات قادتها قبل أن يتمرد عليها نواب حزبها، ويجبرونها على مغادرة 10 داوننج ستريت، ذات صباح برفقة زوجها، وبعينين دامعتين، وقلب مكسور.

الانتخابات الأخيرة تعد من أكثر الانتخابات تشويقا للمراقبين من الخارج والداخل على السواء، وأشد تعقيدا لتشابك المصالح، وأكثر عدوانية. إذ لأول مرة تنقسم بريطانيا إلى اثنين: نصف يقف في ضفة الخروج من الاتحاد، يقابله نصف يقف في ضفة البقاء.

النتيجة 2-0 لصالح فريق الخروج. وهي نتيجة نهائية، نظرا لأن الراغبين في الخروج من الاتحاد الأوروبي فازوا مرتين: المرة الأولى في استفتاء 2016 والثانية والأخيرة والحاسمة في هذه الانتخابات. مما يعني إسدال الستار على مشهد الخروج، وإعداد خشبة المسرح لمشهد ما بعد الخروج، بقيادة جونسون، الذي كتب النص، ومن المقرر أن يصمم ويمثل ويخرج المشهد بكامل تفاصيله، دون عقبات من جانب فريقه الحكومي، عقب تخلصه من كل منافسيه على الزعامة، ومن مؤيدي البقاء في الاتحاد، ومن دون مناحرات ومهاترات المعارضة في البرلمان. والأهم أنه يحظى بدعم شعبي كبير، من جميع الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية والعُمرية. الانتخابات الأخيرة، شهدت، كذلك، لأول مرة، في تاريخ الانتخابات البريطانية تمكن المحافظين من الفوز بدوائر انتخابية في ميدلاند والشمال -تعد تاريخيا منذ تأسيسها- عمالية.

الانتخابات الأخيرة، أيضا، وما أدت إليه من هزيمة مذلة للعماليين لم تشهدها الساحة منذ 1935، تعني خروج السيد جيريمي كوربين من المسرح السياسي نهائيا، والاستفادة مما يتيحه له التقاعد من مزايا صحية، كنتيجة لابتعاده عن قرية ويستمنستر، مصدر الضغوطات اليومية والتوتر والقلق.
الانتخابات، كذلك، أدت إلى هزيمة السيدة جو سوينسون زعيمة الأحرار الديمقراطيين وخسارتها مقعدها البرلماني، مما يفتح الباب أمام مرحلة أخرى في الحزب لانتخابات بغرض اختيار قيادة جديدة. السيدة سوينسون كانت تعد نفسها لتسلم مفاتيح 10 داوننج ستريت فوجدت نفسها فجأة خارج قرية ويستمنستر بالكامل. كانت هي من كتب سيناريو خروجها من الخشبة، بعد أن اختارت الخروج من التحالف البرلماني مع حزب العمال والحزب القومي الإسكتلندي القائم على دعم البقاء في الاتحاد، بإصرارها مع الحزب القومي الإسكتلندي على قبول دعوة رئيس الوزراء لإجراء انتخابات نيابية جديدة، طمعا في ضرب أكثر من عصفورين بحجر، وانتهت مضروبة بأحجار الناخبين، وساقطة من علياء سماء طموحاتها على صلابة واقعية رصيف حجري، يقع على طريق يقود إلى ما لا تعرف ولا تريد.

الملعب الآن صار بأكمله تحت سيطرة بوريس جونسون، بعد أن كسب رهانه، وحقق فوزا تاريخيا. وعليه، بعد نهاية شهر يناير 2020 وهو التاريخ الرسمي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن يضع العربة البريطانية بمن فيها على الطريق الذي سيختاره.
فهل سيتمكن من الوصول إلى مقصده وهدفه بسلام، رغما عن افتقاد خارطة طريق، حتى الآن؟