Atwasat

مراكبي الغارقة

خديجة العمامي الأحد 15 ديسمبر 2019, 11:13 صباحا
خديجة العمامي

في كل مرة أذهب مع عائلتي إلى البحر تكون أول أمتعتي الكيس المملوء بالمراكب الورقية التي أصنعها خصيصا رغم يقيني بأنها ستغرق مجرد أن تلامس المياه.

وفي كل مرة أعطي ظهري لسفني الغارقة وأكمل يومي برفقة البحر الذي لا تعتليه قواربي الهشة.
وفي كل مرة أكون فيها خارج الوطن، يغمرني الحنين إلى مدينتي التي يزداد جمالها عندي والتي لا أسمح بأن تكون بين قوائم التقييم مع غيرها من مدن، وفي كل مرة أصم أذنيّ عن انتقاد الغريب لبلدي حتي وإن كان محقا فالوطن كالأم غير قابل للانتقاد.
 
أنا بنت بنغازي الشيقة، تحاصرني مثل كل أهلها نكهة شوارعها وأزقتها ورائحة (البخور والفاسوخ والجاوي)  المتسللة من نوافذ البيوت بعد كل ظهيرة، ويطربني (المرسكاوي والشتاوة وغناوة العلم) ذلك المسج العميق المختصر.

تغير كل شيء ولم نتغير، مازالت عواصف الذكريات المحملة بصور الماضي تعصف بنا، نعم الماضي لا يعود والمستقبل لن يكون إلا بما نقدم من أجله ولكن يظل الحاضر هو بذور القادم، فبذروا الحب، فالله لا يتواجد إلا في قلوب المحبين، بالحب يُصنع السلام ويُصنع التعايش.
والتعايش لن يكون إلا إذا نزعنا صفة الأوصياء وادعاء الأفضل وأنكم الوحيدون القادرون على إصلاح العالم.

دولة الفكر الواحد دولة زائلة، ودولة الأشخاص ستثور عليها الجموع مهما طال الزمان، ودولة القبيلة دولة لا تراعى فيها مصالح الجميع.
 
لا تحولوا دماء الأبناء إلى وحل ولا تضيعوا حبة رمل تخص الوطن، فالتاريخ سيذكر كل الأبطال وسيذكر العابثين، وعلى قول المثل الليبي (العار أطول من العمر) إن أسوأ أنواع البشر هم (القافزون) و(المتسلقون) فهم أصحاب الطباع الجاحدة وأصحاب الأصوات العالية والوجوه الوقحة فالواقع عندهم يبدأ بيوم انضمامهم للطرف المنتصر، لن نقتلع جذورك فأنت ابن هذا الوطن حتي وإن كنت عاقا ولكن عليك أن تتبرأ من فكر التوحيد لغير الله وتعرف بأننا وأنت شركاء في هذا الوطن.

ومع كل هذه الحروب لن نصل إلى ميناء آمن إلا إذا ركزنا على دولة الدستور والقانون والمؤسسات التي يتساوى فيها الجميع وهذه مرحلة خطيرة لأنها  تحتاج إلى رجال لا يقلون شجاعة عمن قاتل من أجل استرداد الوطن وإلا سنكون كمراكبي الغارقة التي لا هي طفت على سطح الماء وعانقت الأمواج  ولا أنا توقفت عن صناعتها ودفعها للغرق.