Atwasat

نحن وتركيا

ميلاد عمر المزوغي الإثنين 09 ديسمبر 2019, 12:48 مساء
ميلاد عمر المزوغي

نكتب عن حالنا وبمرارة، لقد تحررنا من الاستعمار التركي منذ عقود، لا يهم إن كنا قد قدمنا ضحايا في سبيل ذلك، أو تحصلنا على استقلالنا على طبق من ذهب بفعل الإنجليز وغيرهم، نحن أكثر منهم عددا وخيراتنا لا تحصى ولا تعد ولا وجه للمقارنة بيننا هم خسروا الحرب العالمية الثانية وحوصروا في مياههم ويابستهم، لكنهم استطاعوا بناء دولتهم الوطنية، وولجوا مجال الصناعة بمختلف فروعها المدنية والعسكرية، اكتفوا ذاتيا من المنتجات الزراعية والصناعية ويقومون بتصدير منتجاتهم إلى الخارج ومنها بلداننا.

انتعش اقتصادهم كثيرا، وأصبحوا في مصاف الدول المتقدمة، بينما نحن نتقاتل فيما بيننا، نجيد فن الخطابة والمناكفات السياسية، تفتقر شعوبنا إلى أبسط سبل العيش،لا بنى تحتية، نهدر أموالنا فيما لا يعني، أصبحنا عالة على المجتمع الدولي الذي يتكفل بتوفير كافة احتياجاتنا بما فيها السلع الرئيسية الضرورية للحياة، نذهب إلى تركيا شتاء وصيفا لقضاء أمتع الأوقات، ونرجع إلى بلداننا محملين بما نحتاجه من ملابس ومؤن، والمصنوعات التقليدية، لنساهم عن سبق إصرار وترصد في خفض مستوى البطالة لديهم وتحريك عجلة الإنتاج.

من المحيط إلى الخليج نردد أن الأتراك يريدون إحياء دولتهم العثمانية، وندرك جيدا أن ذلك سيكون على حسابنا، بمعنى أنهم يستطيعون اجتياحنا في زمن قياسي، لتصب خيراتنا في خزينتهم العامة ونستمر في حياة البداوة التي ارتضيناها لأنفسنا ومن يحاول منا الاعتراض على ذلك عليه أن يتذكر ما حل بأجدادنا من جور وظلم بني عثمان وصلفهم.

نحن من ساهمنا ولا نزال في ازدراء الآخرين لنا ومعاملتنا بكل قسوة ودناءة. دوّلنا مشاكلنا فلم يعد حلها ملكنا. دول الجوار تستبيح ديارنا وتقوم بالتنكيل بنا والعالم الغربي يتفرج ويتشمت. الأتراك اقتطعوا سابقا لواء الاسكندرونه من سوريا والآن يقومون بإقامة شريط حدودي شرق الفرات وبعمق 30 كيلومتر أو أكثر داخل الأراضي السورية ضمن عملية أسموها "نبع السلام" بحجة منع تسرب الإرهابيين. ونعلم جميعا أن الإرهابيين المتواجدين بسوريا أتوا عن طريق تركيا. بل باركنا يومها مجيئهم ودفعنا الأموال الطائلة لجلبهم وأغدقنا على السيد آردوغان المنح والهدايا لمساهمته في ذلك.

المضحك المبكي في الأمر أن من ساهموا في الحرب على سوريا نراهم اليوم ينددون بالتدخل التركي. ترى هل كانوا بالأمس القريب مغشيا عليهم أم أنهم كانوا قصّرا أم فاقدي أهلية يتولى آردوغان ولايتهم؟ عندما استجاب آردوغان لطلب ترامب بوقف الهجوم على شرق الفرات قالوا عن آردوغان أنه عبد ينفذ آوامر سيده ترامب ونعلم جيدا أن انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة المستهدفة ماهو إلا ضوء أخضر للأتراك بأن يفعلوا ما يشاءون وأن الأكراد الذين كانوا يعولون على الأمريكان قد استندوا على جدار هش يسقط في أي لحظة وفقا للمصالح الاقتصادية التي يؤمن بها سيد البيت الابيض وأن التجاء الأكراد (قسد) إلى الدولة السورية للحيلولة دون تدخل الاتراك ما هي إلا لعبة تعيها جيدا الحكومة السورية وأن محاولة الانسلاخ عن الدولة الوطنية والمساهمة في تفتيتها عمل مستهجن وجبان وأن الحكم الذاتي أو بناء الدولة القومية لا يتم أثناء الحروب بل يحدث وقت السلم والرخاء.