Atwasat

حاجة فرنسا للجنوب الليبي

فوزي عمار الخميس 05 ديسمبر 2019, 01:01 مساء
فوزي عمار

لم يعد خفياً أن فرنسا في حاجة إلى الجنوب الليبي، فمن يسيطر على الجنوب الليبي يسيطر على إمدادات الإرهاب في النيجر ومالي من مال ومعدات ومقاتلين توفره القارة الليبية لهذا العصابات الإجرامية. ومنذ تاريخ بعيد وهذا ما أكده في كتابه «رحلة إلى الكفرة» الرحالة الألماني والكاتب قيرهارد رولفس، وهو يشرح الجغرافيا السياسية والجيوبلوتيك التي تحظي بها ليبيا بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء بعد زيارته لها سنة 1878. يقول قيرهارد إن ليبيا لديها ثلاتة ممرات إلى أفريقيا عبرالسودان و«السودان الفرنسية» وهو الاسم الذي كان يطلق على تشاد والنيجر ومالي، وهي...

الطريق الأولى طرابلس - غدامس - غات، والثانية الجفرة - سبها - مرزق، والثالثة بنغازي - الكفرة. وهي الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي تمتلك وصولية «Accessibility» إلى أفريقيا ويمتاز شعبها باحترام كبير لدى الأفارقة عبر التاريخ.

وبلا شك في أن من يحارب الإرهاب في الجنوب الليبي اليوم أصبح يشكل لفرنسا حليفاً استراتيجياً. ففرنسا تستورد أربعة آلاف طن يورانيوم سنوياً من النيجر، وشبكة كهرباء فرنسا تتغذى على اليورانيوم المنتج في النيجر، وهو ينتج 70% من إجمالي إنتاج فرنسا الكهرباء.

النيجر ومالي التي تنتشر فيها «القاعدة» و«داعش»، أصبحا يهددان ليس أمن فرنسا فقط، بل أيضاً تنميتها ودخلها. وفرنسا دون إمداد اليورانيوم ستتوقف شبكتها الكهربائية وتتحول لدولة أشبه بإحدى مستعمراتها الأفريقية، فلا صناعة ولا صحة وحياة دون كهرباء.

لقد شاهدنا تصاعد أعمال الإرهاب مؤخراً بسقوط طائرة بها 13 عنصراً من الجيش الفرنسي في مالي. وهذا يفسر أيضاً تراجع الاستثمارات الفرنسية في هذه الدول وخسارة المليارات التي ذهبت معظمها لشركات صينية منافسة لفرنسا.

لقد ظهر واضحاً انزعاج الرئيس الفرنسي ماكرون من حلف الناتو الذي يبدو أنه فشل في مساعدة فرنسا في محاربة الإرهاب في مالي والنيجر. واليوم تعقد قمة لدول الناتو في لندن، حرص الرئيس الفرنسي ماكرون على حضورها، فهو يشعر بأن فرنسا قد تُركت وحدها في محاربة الإرهاب في النيجر ومالي لتدافع عن فروة رأسها وعن شبكة كهربائها وسط شماتة أميركية.
أميركا التي ترى أن اليورو عدو لعملتها، الدولار، وتتطلع لشراكة مع الصين بدلاً عن أوروبا العجوز.

أميركا التي شجعت الحليفة بريطانيا على الخروج منه في مشروع «Brexit» وقبلها عدم اندماج بريطانيا في عملة اليورو.

الصين التي تبدو أنها غير مستعجلة على شراكة مع أميركا، وهي تتقدم نحو المركز الأول في العالم للنمو الاقتصادي قريباً، وتعتبر أفريقيا أحد أهم مراكز اهتمامها اقتصادياً، ومنافسها الأكبر هو فرنسا التي تحتاج للجنوب الليبي الآن دون أدنى شك.

إن العالم يتجه لمصير مجهول، ولتشكل النظام العالمي الجديد الذي لم تتضح معالمه بعد. فقد يسقط دولاً كانت كبرى ويرفع دولاً صغرى لمصاف كبار الأمم.

* كاتب ليبي